للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأغلف فمن منكم يبادر إلى مرضاة الله تعالى ورسوله وينظر ما يتكلم به مع ملك الروم؟

فتقدم إليه بلال بن حمامة مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان غلاما أسود طويلا من الرجال لكأنه النخلة السحوق بصاص من السواد عيناه جمرتان كأنهما العقيق جهوري الصوت فقال: يا عمرو أنا أسير إليه فقال: يا بلال إنك قد حطمك الحزن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وايضا إنك من جنس الحبش ولست من العرب لأن العرب لهم الكلام الجزل والخطب والفصاحة فقال بلال بحق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تركتني أمضي إليه فقال عمرو لقد أقسمت علي بعظيم اذهب واستعن بالله ولا تهبه في الخطاب وأفصح في الجواب وعظم شرائع الإسلام فقال بلال ستجدني أن شاء الله حيث تريد قال فخرج بلال نحوهم وهو كالنخلة السحوق عريض المنكبين كأنه من رجال شنوءة وكان من عظم خلقته إذا نظر إليه أحد يهابه وكان لابسا يومئذ قميصا من كرابيس الشام وعلى رأسه عمامة من صوف متقلدا بسيف ومزوده على عاتقه وبيده عصا قال فلما برز بلال من عسكر المسلمين ونظر إليه القس أنكره وقال أن القوم قد هنا عليهم فانا دعوناهم نخاطبهم فبعثوا الينا بعبيدهم لصغر قدرنا عندهم ثم قال: أيها العبد أبلغ مولاك وقل له أن الملك يريد أميرا منكم حتى يخاطبه بما يريد فقال بلال أيها القس أنا بلال مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومؤذنه ولست بعاجز عن جواب صاحبك فقال له القس: قف مكانك حتى أعلم الملك بأمرك وعاد القس إلى الملك وقال له: أيها الملك أنهم قد بعثوا بعبد من عبيدهم يخاطبك وما ذاك إلا استصغارا لأمرنا عندهم وهو عبد أسود قال فأرسل له رجلا يقول له أيها العبد أبلغ مولاك وقل له أن الملك أيما يريد أميرا منكم حتى يخاطبه فقال له بلال: أيها الرجل أنا بلال بم حمامة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولست بعاجز عن جواب صاحبكم فقال فلسطين ارجع إليهم وقل لهم بعث اليكم ملك النصرانية أيليق أن تبعثوا له بعبد من عبيدكم.

فرجع الترجمان إلى بلال وقال له: يا أسود أن الملك يقول لك: لسنا ممن نخاطب العبيد بل يأتينا صاحب جيشكم أو المؤمر عليكم فرجع بلال وهو منكسر وأخبر عمرا بذلك فقال لشرحبيل أنا أمضي إليه فقال شرحبيل يا عبد الله إذا مضيت أنت فلمن ندع المسلمين فقال عمرو: الله لطيف بعباده وهو أرحم الراحمين بخلقه ولكن خذ الراية واخلفني في قومي فإن غدر الروم فالله الخليفة عليكم فوقف شرحبيل في مقام عمرو وأخذ الراية وخرج عمرو نحو القوم وعليه درعه ومن فوقه جبة صوف وعلى رأسه عمامة من صنع اليمن مصبوغة صفراء قد أدارها على رأسه كورا وأرخى لها عذبة وفي وسطه منطقة وقد تقلد سيفه واعتقل رمحه وسار عمرو حتى وقف بازاء الترجمان

<<  <  ج: ص:  >  >>