قد أرسل لهم دوابا ليركبوها فامتنع يزيد من الركوب ووافقه شطا على ذلك وساروا كلهم رجالا إلى أبي ثوب فاستأذنوا عليه فأذن لهم فلما دخلوا قصر أبي ثوب وإذا به في حشمه وخدمه وزينته والحجاب والغلمان بين يديه وهو في مرتبه امارته وكان قد تكبر وتجبر منذ نزل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على مصر ومنع المال والخراج أن يؤديه للمقوقس وولده وقد اجتمع عنده مال عظيم فلما دخل عليه يزيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وشطا وغلمانه ونظروا إلى أبي ثوب وغلمانه وتجبره بدأ يزيد بالسلام فقال السلام على من اتبع الهدى:{إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى}[طه:٤٨] .
قال الواقدي: حدثنا ابن سالم عن جرير بن أحمد عن أبيه عبينة عن ابن جرير وكان أعلم الناس بقصة فتوح مصر والمغرب قال كان أبو ثوب هذا من أرض العريش من متنصرة العرب من آل غسان وهو قريب جبلة وكان صاحب مال ورجال وإنه لما وقعت الهزيمة على الروم وفتح الشام وانهزم الملك هرقل وهرب معه جبلة هرب معهم أبو ثوب هذا بماله وأهله واخوته إلى أرض الجفار ونزل في البرية ما بين العريش ورفح وإن المقوقس خرج في بعض الايام يريد الصيد في عسكره فانتهى في سرحته إلى أرض العريش فانطرد قدامهم وحش كبير فطلبه الملك وتبعه ولم يتبعه أحد من عسكره وهو وراءه وحده إلى أن رماه في حلل العرب في حلة أبي ثوب فقام إليه وعظمه وبجله وعلم أنه الملك فامسك ركابه وأنزله في بيته وذبح له الاغنام ووضع له الطعام وتلاحق الجيش قال فأضافهم أبو ثوب ثلاثة أيام فلما كان في اليوم الرابع ركب في خدمة الملك وشيعه وعاد فلما دخل المقوقس إلى مصر أمر وزيره بأن يكتب إلى أبي ثوب بولاية تنيس وأعمالها وأرسل له الخلع والاموال والمماليك والغلمان فلما وصل إليه منشور الملك وخلعه فرح أبو ثوب وركب وسار إلى الفرمة وركب منها في المراكب إلى تنيس فلما مكث في ولايته بعث إلى أهله واخوته فأتوا إليه فولى أخاه أباسيف على جزيرة الصدف وولى أخاه الثاني أبا شق على جزيرة الطير وولى ولده على دنيوز فلما طال عليه الامر طغى وتجبر ومرت الأيام والليالي حتى قدم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض مصر فمنع دفع الخراج إلى مصر وإلى المقوقس وولده ورأى نفسه في تلك الجزيرة فتحصن بها وقال: ما أحد يقدر أن يصل الي فلما قدم شطا ويزيد بن عامر ونظر إليهم أبو ثوب أظهر الاعجاب والتكبر ولم يلتفت إليهم ولم يجسر أحد من جماعته أن يأذن لهم بالجلوس فلما نظر إلى ذلك يزيد بن عامر قرأ: {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}[الأعراف: ١٢٨] وجلس إلى جانبه شطا ونظر يزيد إلى سرير أبي ثوب فإذا هو من الذهب ووفيه صورة النخلة ومن تحتها صورة مريم والمسيح في حجرها فقرأ: {فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً، وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ