مشغولة بقتال صاحبها وأما خولة بنت الأزور فإنها جعلت تجول يمينا وشمالا وهي لا تطلب إلا أخاها وهي لا ترى له أثرا ولا وقفت له على خبر إلى وقت الظهر وافترق القوم بعضهم عن بعض وقد أظهر الله المسلمين على الكافرين وقتلوا منهم مقتلة عظيمة قال: وتراجعت كل فرقة إلى مكانها وقد كمدت افئدة الروم ما ظهر لهم من المسلمين وقد هموا بالهزيمة وما يمسكهم إلا الخوف من صاحبهم وردان فلما رجع القوم إلى مكانهم أقبلت خولة بنت الأزور على المسلمين وجعلت تسألهم رجلا رجلا عن أخيها فلم تر من المسلمين من يخبرهما إنه نظره أو رآه أسيرا أو قتيلا فلما يئست منه بكت بكاءا شديدا وجعلت تقول يا ابن أمي ليت شعري في أي البيداء طرحوك أم بأي سنان طعنوك أم بالحسام قتلوك يا أخي أختك لك الفداء لو إني أراك انقدتك من أيدي الأعداء ليت شعري أترى الي أراك بعدها ابدا فقد تركت يا ابن أمي في قلب أختك جمرة لا يخمد لهيبها ولا يطفأ ليت شعري لحقت بأبيك المقتول بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فعليك مني السلام إلى يوم اللقاء قال فبكى الناس من قولها وبكى خالد وهم أن يعاود بالحملة إذ نظر إلى كردوس من الروم قد خرج من ميمنة العقبان فتأهب الناس لحربهم وتقدم خالد وحوله أبطال المسلمين فلما قربوا من القوم رموا رماحهم من أيديهم والسيوف وترجلوا ونادوا بالأمان فقال خالد: اقبلوا أمانهم وائتوني بهم فأتوا إليه فقال خالد: من أنتم فقالوا: نحن من جند هذا الرجل وردان ومقامنا بحمص وقد تحقق عندنا إنه ما يطيقكم ولا يستطيع حربكم فأعطونا الأمان واجعلونا من جملة من صالحتم من سائر المدن حتى نؤدي لكم المال الذي أردتم في كل سنة فكل من في حمص يرضي بقولنا.
فقال خالد: إذا وصلت إلى بلادكم يكون الصلحإن شاء الله تعالى أن كان لكم فيه أرب ولكن نحن ههنا لا نصالحكم ولكن كونوا معنا إلى أن يقضي الله ما هو قاض ثم أن خالدا قال لهم: هل عندكم علم عن صاحبنا الذي قتل ابن صاحبكم قالوا: لعله عاري الجسد الذي قتل منا مقتله عظيمة وفجع صاحبنا في ولده قال خالد: عنه سألتكم قالوا: بعثه وردان عندنا أسيرا على بغل ووكل به مائة فارس وأنفذه إلى حمص ليرسله إلى الملك ويخبره بما فعل قال ففرح خالد بقولهم ثم دعا برافع بن عميرة الطائي وقال: يا رافع ما أعلم أحدا أخبر منك بالمسالك وأنت الذي قطعت بنا المفازة من أرض السماوة وأعطشت الإبل واوردتها الماء وأوردتنا أركة وما وطئها جيش قبلنا لمفازتها وأنت أوحد أهل الأرض في الحيل والتدبير فخذ معك من أحببت واتبع أثر القوم فلعلك أن تلحق بهم وتخلص صاحبنا من أيديهم فلئن فعلت ذلك لتكونن الفرحة الكبرى فقال رافع بن عميرة حبا وكرامة ثم إنه في الحال انتخب مائة فارس شدادا من المسلمين وعزم على المسير فأتت البشارة إلى خولة بمسير رافع بن عميرة ومن معه.