الباب فقال له عبد الله: نحن ما نسمح بأصحابنا بلا رهائن فمضى يوقنا إلى الملكة أرمانوسة وأخبرها أن القوم يريدون رهائن فقالت أرسل لهم من أولاد السوقة قال يوقنا أيتها الملكة أن الحيل في الحرب من عند العرب خرجت والملوك من شأنها إذا قالت قولا وفت به واعلمي أنه قد قال حكيم الفرس إذا كان الغدر طباع قوم فالثقة بكل أحد عجز واعلمي أن أهل بلدك فيهم رؤساء وملوك وهم يعظمون شأنك بعد الملك ولكن ينظرون اليك بعين التأنيث وينظرون الي بعين الغربة ولا هيبة لي عندهم وربما سمعوا بصلحنا مع العرب فلا يملكونا من ذلك ولا يتم لناما نريده وربما يرسلون يستنجدون علينا بمثل ملك الموصل وصاحب الهنكارية ويعظم الأمر قالت فما الذي تراه من الرأي قال الرأي أن نبعث الرؤساء رهائن عند العرب وإنما فعل ذلك يوقنا حتى لا يتعرض له متعرض في المدينة وإذا سلمهم لا يكون فيها رئيس من رؤسائهم فاجابته إلى ذلك وأنفذت الرؤساء منهم رهائن إلى عبد الله بن غسان فلما وصلوا إليه دخل العشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما حصلوا في المدينة أمر بهم إلى البرج الكبير وهو المعروف ببرج المنذر وإنما فعل ذلك حتى لا يعصي من في البرج لأن فيه مال أهل البلد فلما حصلوا هناك رجع إلى الملكة ارمانوسة وقال قد حصلتهم في البرج وغدا نوقفهم باعلى البرج ونقول لهم أما أن ترحلوا عنا أو نقتلهم قالت وكيف نصنع برهائننا وإن نحن فعلنا بأصحابهم ما ذكرت يفعلوا بأصحابنا كذلك قال لها يوقنا إذا كنت تفزعين على أهل البلد فصالحي القوم قالت دبرنا بحسن رايك فقال السمع والطاعة وأنا أمضي إلى هؤلاء العشرة مع ما وصاهم به أميرهم وننظر ما الذي يطلبونه منا ثم إنه مضى إلى الصحابة وحدثهم بما عزم عليه من تسليم البلد وقال لهم: إذا سمعتم الضجة فدونكم ومن في البرج ثم رجع إلى أصحابه ورتبهم على السور ولم يترك معهم أحدا من أهل البلدة فلما أظلم الليل سار عبد الله يوقنا مع اصحابه المائتين وأعلنوا بالتهليل والتكبير وبادروا إلى الباب ففتحوه وأرسل إلى عبد الله بأن يأتي إليهم بعسكره فأتوا ووضعوا السيف في أهل البلد فما أفاق أهل قرقيسيا إلا والمسلمون قد مكنوا منهم القواضب فقصدوا البرج الأعظم عليهم العشرة الصحابة فعلمت الملكة أرمانوسة أن الحيلة قد تمت عليها من قبل يوقنا وسمعت أهل البلد ينادون الغوث الغوث فأمنهم عبد الله بن غسان وسهل بن عدي واحتووا على ما في المدينة وأخذوا جميع ما كان فيها من الأموال وما في البرج الأعظم من الذخائر فأخرجوا منه الخمس وقسموا الباقي على المسلمين وعرضوا عليهم الإسلام فمن اسلم منهم وهبوا له أهله وماله ومن أبى ضربت عليه الجزية ثم اجتمع الذين أسلموا وأتوا إلى الأمراء وقالوا: نحن قد دخلنا في دينكم فسلموا لنا كرومنا وبساتيننا فقال لهم عبد الله بن غسان وسهل بن عدي: هي بحكم الامام يعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو الذي يسكن فيها من أراد.