قال: ولما ركب المسلمون جعل على مقدمة الخيل طلحة بن خويلد وبقي هاشم على الساقة فقال: أيها الناس والله لا تنال الجنة إلا بحسن الاعمال فاتركوا من قلوبكم الميل إلى دار اللهو والاهوال والمقام في دار الزوال جاهدوا لتدخلوا جنة عرضها السموات والأرض فهذه نار الحرب قد فاض تيارها وعلا دخانها وصفقت أمواجها وبدا فجاجها فاركبوا فيها سفينة النجاة والانجاد واقطعوا بشراع الاجتهاد هذا الطريق وانشرونا أعلام الصدق قال: وقد اصطفت عساكر العجم ودقت بوقاتها ونشرت ازدهاراتها فهم كذلك إذ أقبل عليهم ملك الري في اثني عشر ألف فارس فلما رأى هاشم ذلك قال: يا فتيان العرب لا تنظروا إلى كثرتهم وقلتكم فقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يوم بدر في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا وخذل الكافرين وقد كانت قريش في حدها وحديدها وعددها وعديدها ونصر الله نبيه ورسوله قال الله تعالى: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}[البقرة: ٢٤٩] وإذا بالخيل قد حملت عليهم كأنهم السيل فقال هاشم أخلصوا النيات ولا تولوا الأدبار واعلموا أنه قد تولى عليكم الجبار قال: وأطبق الناس بعضهم ببعض وساروا بين البسط والقبض وازدحمت الامم وقامت الحرب على قدم وقاتلت أبطال العجم وضربت بحرابها ورمت بصفاحها وفوقت بسامها وأظلم الجو من الغبرة في تلك الآفاق واعتمدوا على الضرب بالاسياف الرقاق وطعنت العرب بالرماح الدقاق وقلعت عرب اليمن بنبالها الاحداق ودنت الاعمار إلى المحاق وبلغت الارواح التراق وعز الانين والزعاق وصبرت الاعاجم على ما لا يطاق وسقاهم العرب من أسنة رماحهم كأس الفراق ولم يزالوا في القتال إلى أن ذهبت الانوار وجاء الليل ومضى نور النهار وفي آخر يوم قدم القعقاع بن عمرو ومعه اثنا عشر ألف فارس فقويت قلوب المسلمين بقدوم عساكر الموحدين وأعلنوا بكلمة التوحيد فدوت من أصواتهم الجبال والتلال والرمال والحجر والشجر فلما سمع أعداء الله ما نطقوا به ارتعدت فرائصهم فاستقبلوهم بنيات صادقة وهمم متوافقة وأعلنوا بذكر كلمة الحق والصلاة على سيد الخلق فبذلوا صوارمهم في الاعداء وأوردهم شراب الردى وقصدوا نحو أعدائهم وطلبوا بجهادهم منازل الجنة وطلقوا الدنيا بتاتا وعلموا أنهم يصيرون أمواتا وصاروا بعد الالفة أشتاتا فوقعت الهزيمة على عسكر العجم وحمل المسلمون في آثارهم وخذلهم الله فقتلوا من قتلوا واسروا من أسروا وهرب الباقون واخذ المسلمون مدينة نشاور وغنموا ما فيها من الاموال وكان شيئا لا يقع عليه حصر وأقاموا فيها وبنوا الجامع وذكروا الله فيه ذكرا كثيرا وأكمل الله لهم فتوح العراق وكتبوا بذلك كتابا إلى أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يعلمونه بذلك وبعثوا الخمس فوصل ذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فسر بذلك سرورا عظيما فحمد الله تعالى كثيرا وسرت المسلمون سرورا زائدا على ما فتح من بلاد كسرى وأعمالها على يد سعد بن وقاص واستوطنوا البلاد رضي الله عنهم أجمعين.