قال الراوي: ولما فارق عمرو بن العاص خالد بن الوليد والأمراء رضي الله عنهم استشار بعضهم بعضا أي مكان يقصدون فاتفق رايهم أن يسيروا ألف فارس طليعة وأمر عليهم قيس بن الحرث ومعه جماعة من أمرائهم منهم رفاعة بن زهير المحاربي والقعقاع بن عمرو التميمي وعقبة بن عامر الجهني وذو الكلاع الحميري رضي الله عنه وصاروا يسيرون في وسط البلاد وبقية العساكر قريبة منهم فمن أطاعهم وطلب الامان أمنوه وصالحوه ووضعوا عليه الجزية ومن أبى قاتلوه ومن أسلم تركوه وسار خالد ببقية الجيش يريدون أهناس فإنها كانت أعظم مدائن الوجه القبلي بعد الكورة وكانت حصينة آهلة بالخيل والآلة والعدة ولما أحس بطريقها بمجيء الصحابة إليه جمع البطارقة وقد انكسرت جنودهم وخمدت نيرانهم وكلمتهم بانهزام جيوشهم وشاورهم في أمرهم وقال لهم: خذوا أهبتكم وقاتلوا عن حريمكم وأموالكم والا صرتم عبيد للعرب يفعلون بكم ما يختارون وإن شئتم صالحناهم حتى يعلم ما يكون من بطارقته فأجابوه وقالوا: لا نسلم البلاد حتى نغلب ونجمع أموالنا في هذه المدينة الحصينة ونقاتل فإن غلبنا عولنا على الحصار واتفق رأيهم على ذلك فكان الذي أجابهم إلى ذلك خرج بنفسه وأمواله ومن لم يجبهم إلى ذلك أقام وكذلك بطارقة البهنسا منهم من انتقل إلى البهنسا بماله وأولاده ومنهم من أقام ببعض المدائن ممن عولوا على الاقامة والحصار والقتال.
وسار خالد بالجيش حتى قرب من اهناس وبين يديه الطلائع والأمراء وهم يشنون الغارات على السواحل والبلاد فمن خرج إليهم وصالحهم وعقد معهم صلحا صالحوه ولهم الميرة والعلوفة الضيافة ومن أبى دعوه إلى الإسلام فإن أبى طلبوا منه الجزية فإن أبوا شنوا عليهم الغارة حتى وصلوا قريبا من اهناس وبلغ الخبر إلى عدو الله فقال: لا بد من لقائهم وقتالهم حتى أنظر ما يكون من أمرهم ثم خرج إلى ظاهر المدينة قريبا من السور ولم يبعد عنها وكان للمدينة أربعة أبواب فأغلق ثلاثة وفتح الباب الشرقي وأخرج الخيام والسرادقات وأكثر من العدة والزينة وقال أن دخلنا المدينة من غير قتال طمعت العرب في جانبنا ثم فرق بطارقته وعرض جيشه فكانت عدتهم خمسين ألفا وقال اثبتوا وقاتلوا عن حريمكم ولا تكونوا أول جند أخذوا وأقاموا يتأهبون للقتال وينتظرون قدوم الصحابة رضي الله عنهم.
قال الواقدي: وأما خالد فلما قرب من أهناس استدعى بالزبير بن العوام وضم إليه ألف فارس من الأمراء وغيرهم وأمره بالمسير ثم استدعى بالفضل بن العباس وضم إليه ألف فارس وسار على أثره ثم استدعى بميسرة بن مسروق العبسي وضم إليه ألف فارس وسار على أثره