يخالف لي أمرا فاخبروني ما الذي تريدون وما الذي تطلبون فقال له جرير: أفرغت من كلامك فقال له: نعم قال له جرير: خذ جوابك أما قولك كنا في ضيق حال فهو كما ذكرت ولكن أنعم الله علينا بالإسلام وهو أول نعمة أمرنا بالجهاد وإن الله تعالى أباح لنا أموال المشركين ما داموا محاربين وأمرنا أن نجاهدكم حتى تؤدوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون أو تسلموا أو تقاتلوا: {حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ}[يونس: ١٠٩] وأما قولك المال فليس هو غرضنا ولا متاع الدنيا شهواتنا وإن بلادكم عن قريب تكون لنا وأموالكم غنيمة لنا نتقاسمها.
قال الواقدي: فلما سمع البطريق الكلام غضب غضبا شديدا وقال أنا كفء لكم دون الملك ثم أمر أصحابه بالحملة على جرير قال فما لويت عنان جوادي إلا والخيل قد ركبتني فعندها تواثب المسلمون واقتتلوا قتالا شديدا وتبادرت الرجال وزمجرت الابطال وزحفت الافيال وتراشقوا بالنبال وتضاربوا بالنصال وتطاعنوا بالعوال والتقى الجمعان واصطدم الفريقان واشتد النزال وكثرت الاهوال وتقاتلت الفرسان وولى الجبان حيران فلله در المغيرة بن شعبة وعون بن ساعدة وعبادة بن تميم والفضل بن العباس رضي الله عنه لقد قاتلوا قتالا شديدا وأبلوا بلاء حسنا ولم يزل القتال يشتد من ارتفاع الشمس إلى الغروب فعندها وثب عبد الله بن جعفر إلى قابيل وضربه ضربة فحاد عنها عدو الله وولى هاربا وحمته جماعة نحو ثلثمائة فارس ولم يزل الفريقان في قتال ونزال إلى أن غابت الشمس وافترق الجمعان وقد قتل من المسلمين نحو خمسين رجلا ختم الله لهم بالشهادة وقتل من الروم نحو ألفي فارس قال: واجتمعت الروم حول قابيل حين ولى هاربا إلى أن وصل إلى البطليوس فلما رآهم وبخهم وقال لهم: بأي وجه تفرون من العرب ولم تصبروا لهم وقد فشلتم وجزعتم فقال له قابيل: أيها الملك ليس الخبر كالعيان وهؤلاء ليسوا بأنس وإنما هم جن في القتال ولولا الاجل حصين ما عدت اليك فغضب الملك وقال اسكت قد تمكن رعب العرب من قلبك وستنظر ما يكون من أمرهم ثم بات في قلق شديد حتى أصبح الصبح ولم يأمر قومه بالركوب وقال امهلوا حتى أنظر ما يكون من أمرهم.