وأين كمين القوم قال عند كثيب عن يمين عسكرهم ثم إنه خلاه ورجع وأعلم وردان ففرح وقال: الآن ارجو أن يظفرني الصليب بهم ثم إنه دعا بعشرة من الأبطال وقال لهم: امضوا رجالة وأكمنوا وأمرهم أن يفعلوا ما دبروه وأما خالد فإنه رجع فلقيه امين الأمة أبو عبيدة فرآه ضاحكا فقال: يا أبا سليمان اضحك الله سنك ما الخبر فحدثه بما جرى فقال أبو عبيدة: على ماذا عزمت قال عزمت أن أخرج إلى القوم وحدي فقال: يا أبا سليمان لعمرك إنك لكفء ولكن ما أمرك الله أن تلقي بنفسك إلى التهلكة والله تعالى يقول: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}[الأنفال: ٦٠] وقد أعد لك عشرة وهو حادي عشر وما آمن عليك من اللعين ولكن اندب له رجالة كما ندب لك رجالة ويكمنون قريبا من القوم فإذا صرخ اللعين بقومه فاصرخ أنت بقومك ونكون نحن متأهبين على خيولنا فإذا فرغت من عدو الله حملنا جميعا ونرجوا من الله النصر ثم قال: والمسلمون هم رافع بن عميره الطائي ومعاذ بن جبل وضرار بن الأزور وسعيد بن زيد وقيس بن هبيرة وميسرة بن مسروق العبسي وعدي بن حاتم حتى استتم العشرة واخبرهم خالد بما قد عزم عليه الروم من الحيلة والمكيدة التي قد دبرها وردان وقال أخرجوا رجالة بحيث لا يدري بكمأحد حتى إنكم تأتون الكثيب الذي عن يمين العسكر فاكمنوا هناك فإذا صرخت بكم فبادروا وانفروا للقوم كل واحد لواحد واتركوني لعدو الله فانني أن شاء الله تعالى كفء له فقال ضرار أيها الأمير أخاف أن يكثر عليك الجمع الكثير فلا نأمن أن يصلوا بشرهم إليك وقد كنت ادبر لك حيلة اننا نسير من وقتنا هذا إلى مكمن القوم فإذا وجدناهم رقودا قتلناهم وفرغنا منهم قبل الصباح ونكمن نحن في مواضعهم فإذا خلوت أنت بعدو الله خرجنا عليكم بغير مقالة.
فقال خالد: افعل يا أبا الأزور ما ذكرت أن وجدت إلى ذلك سبيلا وخذ معك هؤلاء الذين ندبتهم وانت الأمير عليهم وارجو أن الله يبلغك ما تطلبه وخرج هو وأصحابه في جنح الليل رجالة وبأيديهم اسلحتهم وودعوا الناس وكان وقت خروجهم قد مضى ثلث الليل ثم سار ضرار حتى وصل الكثيب فأوقف أصحابه وقال على رسلكم حتى استخبر لكم خبر القوم فلما اشرف عليهم من بعيد سمع غطيطهم وهم نيام سكرى غرقوا في النوم لما نالهم من التعب والنصب وقد أمنوا من أحد ينظرهم فقال ضرار في نفسه: أن أنا دنوت من القوم لاقتلهم خشيت أن يوقظ بعضهم بعضا قال فرجع إلى أصحابه وقال لهم: ابشروا فقد أتاكم الله بما تريدون وأذهب عنكم ما تحذرون فجردوا سيوفكم وسيروا إلى القوم فاقتلوهم كيف شئتم ثم تقدم ضرار امامهم وهم في أثره إلى أن وصل بهم إليهم فوجدوهم نياما كل واحد منهم سلاحه عند رأسه فانفرد كل واحد منهم بواحد فلم يلبثوا إلا وقد فرغوا منهم عن اخرهم وأخذ كل واحد سلاح غريمه وأخذوا.