يزالوا كذلك حتى طلع الفجر فعلوا على الاسوار وضربوا بالنواقيس والبوقات والقرون وغلقوا الأبواب ورموا الاقفال فلما أصبح الصباح صلى المسلمون صلاة الصبح وأتوا إلى موضع المعركة وتفقدوا من قتل منهم فإذا هم خمسمائة وعشرون رجلا من باب توما إلى باب قندوس ختم الله لهم بالشهادة.
قال الراوي: ولما رأى المسلمون ذلك بكوا بكاء شديدا وأعظم الناس حزنا الأمير عياض لأجل من قتل تحت رايته وكان أكثر الشهداء الاعيان من قريش وبني هاشم وبني المطلب وبني نوفل وبني عبد شمس فلما رأى مسلم بن عقيل أخوته وما حل بهم ورأى الفضل بن العباس وعبد الله بن جعفر وسادات بني هاشم ما حل ببني عمهم نزلوا عن خيولهم وعانقوا شهداءهم واسترجعوا في مصابهم فعند ذلك أنشد همام بن جرير يقول:
يا عين ابكي لا تملي البكى. ... سحى دموعا مثل سكب الغمام.
وابكي على السادات من هاشم. ... وعصبة المختار خير الأنام.
نوحي على الليث ابن عم النبي. ... هو جعفر المشكور ليث همام.
وابكي على الشهداء لا تغفلي. ... ما لاح برق أو تغنى حمام.
فلا لقي البطليوس خيرا ولا. ... أجناده أهل الصليب اللئام.
لنأخذن الثار يا قومنا. ... بطعن خطى وحد الحسام.
قال: ووارى المسلمون شهداءهم ثم أن الأمير عياضا فرق الأمراء على الأبواب فنزل السادات من بني هاشم وغيرهم مثل زياد بن أبي سفيان والوليد وأخيه محمد وأسامة بن زيد وأبي أيوب الانصاري وفضالة بن عبيد وأوس بن حذيفة وعمرو بن حصين ورافع بن خديج وأبي دجانة وجابر ابن عبد الله وبقية الأمراء قال: ونزل القعقاع بن عمرو التميمي والمسيب بن نجيبة الفزاري وأمثالهم من الأمراء بألفي فارس على باب الجبل والمغيرة بن شعبة وأبو لبابة والمهلب الطائي ونظراؤهم من الأمراء بألفي فارس عند باب توما قال: وعبى القوم آلات الحصار ورتبوها على الاسوار وأقاموا مدة شهر لا يقاتل بعضهم بعضا بل كل يوم يركب البطليوس لعنه الله جواده المتقدم ذكره ويلبس لامة حربه ويطلع بالجواد على اعلى السور وحوله المشاة من خلفه وقدامه وبأيديهم السيوف المحددة والدرق والدبابيس والاطيار المذهبة والقسى والنشاب وكان عرض السور يمشي عليه خيالان متكاتفان باللبس الكامل قال هذا ما جرى لهؤلاء وأما خالد فإنه أرسل عبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن عمر إلى الفيوم وجرى بينهم وقعات وحروب اختصرنا ذكرها خوف الاطالة فإن المقصود الذي عليه مدار هذا الكتاب