للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القتال وعدو الله كراكر عليه ديباجة حمراء مقصبة بالذهب تلمع من فوق الدروع وعلى رأسه بيضة عليها جوهرة تضيء كالكواكب وهو يهدر كالجمل الهائج وهو يرطن بلغته وخلفه جماعة والذين على الاسوار يصيحون ويزعقون بشعارهم ويضربون بقرونهم وبوقاتهم وطبولهم وأوقدوا مشاعلهم من أعلى السور حتى بقي مثل النهار هذا وقد ثارت الأمراء أصحاب النجدة وذوو المروءات واعتقلوا بسيوفهم وركبوا خيولهم فمنهم من ركب جواده عريانا ومنهم من ركب بسرج بعير لجام ومنهم من أسرع ماشيا فلله در الفضل بن العباس وابن عمه الفضل أبن أبي لهب وعبد الله بن جعفر وزياد بن أبي سفيان والقعقاع بن عمرو والمسيب بن نجيبة الفزاري والمغيرة ومسلم وأبي ذر الغفاري وأبي دجانة وأبي أمامة وغفار بن عقبة وأبي زير العقيلي ومثل هؤلاء السادات رضي الله عنهم لقد قاتلوا قتالا شديدا وأبلوا بلاء عظيما وطعن جماعة من المسلمين وجرح جماعة من المسلمين.

وأما الذين هاجموهم في أول الوقعة فقتل منهم جماعة نحو المائتين وثمانين رجلا واقتتل الناس قتالا شديدا وأقبل الفضل بن العباس إلى البطريق كراكر لعنة الله وضربة بالسيف على عاتقه الايمن فأطلع السنان يلمع من عاتقه الايسر فوقع يخور في دمه وعجل الله بروحه إلى النار وبئس القرار وأتبعه بالجملة ابن عمه عبد الله ابن حجفر فقتل بطريقا آخر ولم تكن إلا ساعة وقد جاءتهم بقية الأمراء من على أبوابهم وتركوا مكانهم من يثقون به وساروا إلى أن وصلوا إليهم وحملوا عليهم حملة منكرة وقتلوا منهم مقتلة عظيمة نحو من ثلاثة آلاف من الروم والنصارى فلما رأى الروم ذلك فروا نحو الباب وتبعهم المسلمون إلى الباب فخرج كردوس عظيم الروم وحموا المنهزمين وأسر المسلمون من الروم نحو ألف ومائتين وخمسين واتوا إلى مكان المعركة يتفقدون من قتل منهم فإذا هم أربعمائة وخمسة وثلاثون رجلا ختم الله لهم بالشهادة فلما رأى المسلمون ذلك شق عليهم وكبر لديهم وأسرعوا تحت الليل وجمعوا الشهداء ودفنوهم في ثيابهم ودمائهم في مكان يعرف بالبطحى عند مجرى الحصى ومنقع السيل فدفنوهم هناك كل اثنين وكل ثلاثة وكل أربعة وكل خمسة في قبر وقدموا أهل السابقة وأصحاب القرآن وكان يعرف ذلك المكان بقبور الشهداء الاخيار والدعاء هناك مستجاب مجرب مرارا وتحط هناك الاوزار لمن يكثر من الدعاء والتطوع والاستغفار.

قال الواقدي: ما حدثت في هذا الكتاب إلا على قاعدة الصدق وأذكر ما وقع من الامور وحدث عن أصحاب التواريخ وثقات المحدثين من أصحاب السير ومن سماع كلامه كالدر فهذا كالعقد النفيس في السلوك والتأسيس لا يليق سماعه إلا لذوي البصائر والعلماء والملوك فإنه نزهة الناظر ويشرح الخاطر لم يجمع أحد مثله من أهل

<<  <  ج: ص:  >  >>