قال الواقدي رحمه الله تعالى: ولقد بلغني أن هرقل لما بلغه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد ولى الأمر من بعد ابي بكر الصديق رضي الله عنه جمع الملوك والبطارقة وارباب دولته وقام فيهم خطيبا على منبر قد نصب له في كنيسة القسيسين وقال: يا بني الأصفر هذا الذي كنت أحذركم منه فلم تسمعوا مني وقد اشتد الأمر عليكم بولاية هذا الرجل الاسمر وقد دنا موعد صاحب الفتوح المشبه بنوح والله ثم والله لا بد أن يملك ما تحت سريري هذا الحذر ثم الحذر قبل وقوع الأمر ونزول الضرر وهدم القصور وقتل القسس وتبطيل الناقوس هذا صاحب الحرب والجالب على الروم والفرس الكرب هذا الزاهد في دنياه وهذا الغليظ على من أتبع في غير ملته هواه وإني ارجو لكم النصر أن امرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر وتركتم الظلم واتبعتم المسيح في اداء المفروضات ولزوم الطاعات وترك الزنا وانواع الخطايا وأن ابيتم إلا الفساد والفسوق والعصيان والركون إلى شهوات الدنيا يسلط الله عليكم عدوكم ويبلوكم بما لا طاقة لكم به ولقد أعلم أن دين هؤلاء سيظهر على كل دين ولا يزال اهله بخير ما لم يغيروا ويبدلوا فاما أن ترجعوا إليه واما أن تصالحوا القوم على اداء الجزية فلما سمع القوم ذلك نفروا وبادروا إليه وهموا بقتله فسكن غضبهم بلين كلامه ولاطفهم وقال لهم: إنما أردت أن أرى حميتكم لدينكم وهل تمكن خوف العرب في قلوبكم أم لا.
ثم استدعى برجل من المتنصرة يقال له طليعة بن ماران وضمن له مالا وقال له: انطلق من وقتك هذا إلى يثرب وانظر كيف تقتل عمر بن الخطاب فقال له طليعة: نعم أيها الملك ثم تجهز وسار حتى ورد مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكمن حولها وإذا بعمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج يشرف على أموال اليتامى ويفتقد حدائقهم فصعد المتنصر إلى شجرة ملتفة الأغصان فاستتر بأوراقها وإذا بعمر رضي الله عنه قد اقبل إلى أن قرب من الشجرة التي عليها المتنصر ونام على ظهره وتوسد بحجر فلما نام هم المتنصر أن ينزل إليه ليقتله وإذا بسبع أقبل من البرية فطاف حوله وأقبل يلحس قدميه وإذا بهاتف يقول: يا عمر عدلت فأمنت فلما استيقظ عمر رضي الله عنه ذهب السبع ونزل المتنصر وترامى على عمر رضي الله عنه فقبل يديه وقال بأبي أنت وأمي أفدى من الكائنات من السباع تحرسه والملائكة تصفه والجن تعرفه ثم أعلمه بما كان منه وأسلم على يديه.
قال الواقدي: ثم أن عمر رضي الله عنه كتب كتابا لابي عبيدة بن الجراح يقول فيه: قد وليتك على الشام وجعلتك أميرا على المسلمين وعزلت خالد بن الوليد والسلام ثم سلم الكتاب إلى عبد الله بن قرط وأقام قلقا على ما يرد عليه من أمور المسلمين وصرف همته إلى الشام.