للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تصدق أحد بصدقة من طيب ولا يقبل الله إلا الطيب إلا أخذها الرحمن بيمينه وإن كانت تمرة فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل كما يربي أحدكم فلوه، أو فصيله" ١.

وعلى هذا نقول: إن ورود ذكر اليمين والقبضة في الآية، وذكر اليد والكف والأصابع في الأحاديث التي سقناها بعدها زيادة لتوضيح معناها كل ذلك يدل دلالة واضحة على أن ـ للباري سبحانه ـ يدين حقيقيتين ليستا مجازاً في النعمة٢ والقدرة٣ كما ادعى ذلك الجهمية والمعطلة، وصفة اليدين من الصفات الذاتية التي لا تنفك عن الله ـ تعالى ـ فيجب الإيمان بها وإثباتها حقيقة على ما يليق بجلاله وعظيم سلطانه.

وقد بين ـ تعالى ـ في مواضع من كتابه أن له يدين خلق بهما آدم وأنهما مبسوطتان بالإنفاق وأن يده فوق أيدي المبايعين لرسول الله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى {يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ} ٤ فهذه الآية بين ـ تعالى ـ فيها أنه قرَّع إبليس ووبخه حين منعه الكبر عن أن يسجد لآدم الذي خلقه الله بيديه.

وقال ـ تعالى ـ: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} ٥.

وهذه الآية إخبار من المولى ـ جل شأنه ـ أن اليهود وصفوه ـ تعالى ـ بالبخل حيث قالوا: {يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ} فأكذبهم الله ولعنهم على مقالتهم التي تنبئ عما هو متمكن في نفوسهم من الشح عن الإنفاق في وجوه الخير، أما يداه ـ سبحانه ـ فهما مبسوطتان بالإنفاق على عباده كيف يشاء، كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يمين الله ملأى لا يغيضها سحاء٦ الليل والنهار،


١- ٤/٢٧٩.
٢- انظر شرح الأصول الخمسة لعبد الجبار ص ٢٢٨.
٣- انظر أصول الدين لعبد القاهر بن طاهر البغدادي ص١١١.
٤- سورة ص آية: ٧٥.
٥- سورة المائدة آية: ٦٤.
٦- سحاء: أي دائمة الصب والهطل بالعطاء. النهاية ٢/٣٤٥.

<<  <   >  >>