للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بيده، وكتب التوراة بيده"١ فلو كانت اليد هي القدرة لم يكن لها اختصاص بذلك ولا كانت لآدم فضيلة بذلك على كل شيء مما خلق بالقدرة" أ. هـ٢.

فابن القيم رحمه الله تعالى أراد بهذا البيان الرد على النفاة الذين يقولون: إذا قلنا: إن اليد في قوله تعالى {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} ٣ صفة نكون قد أثبتنا أيدي كثيرة، أو أننا نقول: بإشراك غير آدم مع آدم في الخاصية وهي أن الله خلقه بيديه كما قال تعالى {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} ٤ فيرد عليهم بأن بين الآيتين فرقاً من وجهين:

الوجه الأول: أنه أضاف الفعل إليه في قوله {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} وبين أنه خلق آدم بيديه، وهناك أضاف الفعل إلى الأيدي.

الوجه الثاني: أن العرب يضعون اسم الجمع موضع التثنية إذا أمن اللبس كقوله تعالى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} ٥ أي: يديهما، وقوله تعالى {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} ٦ أي قلباكما فكذلك قوله تعالى {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} ٧.

قال أبو الحسن الأشعري: "فإن قال قائل إذا ذكر الله الأيدي وأراد يدين فما أنكرتم أن يذكر الأيدي ويريد يداً واحدة؟ قيل له ذكر الله ـ عز وجل ـ أيدي وأراد يدين لأنهم أجمعوا على بطلان قول من قال أيدي كثيرة، وقول من قال يداً واحدة فقلنا: "يدان" لأن القرآن على ظاهره إلا أن تقوم حجة بأن يكون على خلاف الظاهر" أ. هـ ٨.

والذي يفهم من هذا أن الله تعالى يذكر نفسه تارة بصيغة المفرد مظهراً أو مضمراً وتارة أخرى يذكر نفسه بصيغة الجمع كقوله تعالى {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} ٩ وأمثال


١- انظر جامع البيان للطبري ٢٣/١٨٥.
٢- مختصر الصواعق المرسلة ١/٣٨.
٣- سورة يس آية: ٧١.
٤- سورة ص آية: ٧٥.
٥- سورة المائدة آية: ٦٤.
٦- سورة التحريم آية: ٤.
٧- مجموع الفتاوى ٦/٣٧ والآية ٧١ من سورة يس.
٨- الإبانة عن أصول الديانة ص٣٧.
٩- سورة الفتح آية: ١.

<<  <   >  >>