للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المذهب إذ أثبتنا لله القدرة، وبها خلق كل شيء ولذلك قال في آدم عليه السلام {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} ووجه تخصيصه آدم بذلك أن خلقه بقدرته لا على مثال سبق، ولا من نطفة، ولا نقل من الأصلاب إلى الأرحام كما نقل ذريته من الأصلاب إلى الأرحام" اهـ١.

وقال البيجوري: فالسلف يقولون لله وجه ويد وأصابع لا نعلمها، والخلف يقولون: المراد من الوجه الذات، وباليد القدرة والمراد من قوله بين أصبعين من أصابع الرحمن "بين صفتين من صفاته وهاتان الصفتان القدرة والإرادة"٢.

وهذه التأويلات المتقدمة للمعتزلة والأشعرية لصفة اليدين بالنعمة والقدرة والقوة تأويلات باطلة بعيدة عن الصواب بمسافات بعيدة ويرد على الفريقين من وجوه:

الوجه الأول: إن الأصل في الكلام الحقيقة، فدعوى المجاز مخالف للأصل.

الوجه الثاني: أن ذلك خلاف الظاهر فقد اتفق الأصل والظاهر على بطلان هذه الدعوى.

الوجه الثالث: إن اطراد لفظها في موارد الاستعمال وتنوع ذلك وتصريف استعماله يمنع المجاز. ألا ترى إلى قوله: {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} ٣ وقوله: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} ٤ وقوله: {وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} ، فلو كان مجازاً في القدرة أو النعمة لم يستعمل منه لفظ يمين وقوله في الحديث: "المقسطون على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين" ٥.

فلا يقال: هذه يد النعمة، أو القدرة، وقوله "يقبض الله سماواته بيده، والأرض بيده الأخرى، ثم يهزهن ثم يقول: أنا الملك"٦ فههنا هز وقبض، وذكر يدين، ولما أخبر صلى الله عليه وسلم جعل يقبض يديه ويبسطهما تحقيقاً للصفة لا تشبيهاً لها.

الوجه الرابع: أن مثل هذا المجاز لا يستعمل بلفظ التثنية، ولا يستعمل إلا مفرداً،


١- أصول الدين ص١١١.
٢- تحفة المريد شرح جوهرة التوحيد ص٩٣.
٣- جزء من الآية رقم ٧٥ من سورة ص.
٤- سورة المائدة آية: ٦٤.
٥- رواه البخاري في صحيحه ٤/٢٨٠ من حديث ابن عمر رضي الله عنهما..
٦- متفق عليه: صحيح البخاري ٤/٣٠٠، صحيح مسلم ٤/٢١٤٧ كلاهما من حديث ابن مسعود.

<<  <   >  >>