للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أو مجموعاً، كقولك: له عندي يد يجزيه الله بها وله عندي أيادي، وأما إذا جاء بلفظ التثنية لم يعرف استعماله قط إلا في اليد الحقيقة.

الوجه الخامس: أن ليس في المعهود أن يطلق الله على نفسه معنى القدرة والنعمة بلفظ التثنية، بل بلفظ الإفراد الشامل لجميع الحقيقة كقوله تعالى: {أَنَّ الْقُوَّةَ لله جَمِيعاً} ١ وكقوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوهَا} ٢ وقد يجمع الله النعم كقوله {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} ٣ وأما أن يقول: خلقتك بقدرتين وبنعمتين فهذا لم يقع في كلامه ولا كلام رسوله صلى الله عليه وسلم.

الوجه السادس: أنه لو ثبت استعمال ذلك بلفظ التثنية لم يجز أن يكون المراد هنا القدرة فإنه يبطل تخصيص آدم فإنه وجميع المخلوقات حتى ـ إبليس ـ مخلوق بقدرة الله.

الوجه السابع: أن هذا التركيب المذكور في قوله {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} يأبى حمل الكلام على القدرة لأنه نسب الخلق إلى نفسه ـ سبحانه ـ ثم عدى الفعل إلى اليد ثم ثناها، ثم أدخل عليها الباء التي تدخل على قولك كتبت بالقلم ومثل هذا نص صريح لا يحتمل المجاز بوجه٤.

قال ابن خزيمة في صدد رده على الجهمية المؤولين لليد بالنعمة "وزعمت الجهمية والمعطلة أن معنى قوله {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} أي: نعمتاه، وهذا تبديل لا تأويل والدليل على نقض دعواهم هذه أن نعم الله كثيرة لا يحصيها إلا الخالق البارئ ولله يدان لا أكثر منها كما قال لإبليس لعنه الله {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} ٥ فأعلمنا الله ـ جل وعلا ـ أنه خلق آدم بيديه فمن زعم أنه خلق آدم بنعمته كان مبدلاً لكلام الله" اهـ٦.

وقال العلامة أبو الحسن الأشعري: "وقد اعتل معتل بقول الله ـ عز وجل ـ


١- سورة البقرة آية: ١٦٥.
٢- سورة النحل آية: ١٨.
٣- سورة لقمان آية: ٢٠.
٤- هذه سبعة وجوه من عشرين وجهاً ذكرها العلامة ابن القيم في مختصر الصواعق ٢/١٥٣ وما بعدها.
٥- سورة ص آية: ٧٥.
٦- كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب ص٨٥ ـ ٨٦.

<<  <   >  >>