للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال العلامة ابن القيم: " وسبب الخذلان عدم صلاحية المحل وأهليته وقبوله للنعمة بحيث لو وافته النعم لقال هذا لي، وإنما أوتيته لأني أهله ومستحقه كما قال تعالى: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} أي على علم علمه الله عندي استحق به ذلك وأستوجبه واستأهله، قال الفراء: أي على فضل عندي أني كنت أهله ومستحقاً له إذ أعطيته، وقال مقاتل: يقول على خير علمه الله عندي. وذكر عبد الله بن الحارث بن نوفل سليمان بن داود عليه الصلاة والسلام فيما أوتي من الملك ثم قرأ قوله ـ تعالى ـ {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} ١.

ولم يقل هذا من كرامتي، ثم ذكر قارون وقوله: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} ٢ يعني: أن سليمان رأى ما أوتيه من فضل الله عليه ومنته وأنه ابتلي به فشكره، وقارون رأى ذلك من نفسه واستحقاقه. وكذلك قوله ـ سبحانه ـ {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي} ٣ أي أنا أهله وحقيق به فاختصاصي به كاختصاص المالك بملكه.

والمؤمن يري ذلك ملكاً لربه وفضلاً منه من به على عبده من غير استحقاق منه بل صدقة تصدق بها على عبده، وله أن لا يتصدق بها. فلو منعه إياها لم يكن قد منعه شيئاً هو له يستحقه عليه، فإذا لم يشهد ذلك رأي فيه أهلاً ومستحقاً فأعجبته نفسه وطغت بالنعمة وعلت بها واستطالت على غيرها فكان حظها منها الفرح والفخر كما قال تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُوسٌ كَفُورٌ. وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} ٤. فذمه باليأس والكفر عند الامتحان بالبلاء وبالفرح والفخر عند الابتلاء بالنعماء واستبدل بحمد الله وشكره والثناء عليه إذ كشف عنه البلاء قوله: {ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي} ، ولو أنه قال: أذهب الله السيئات عني برحمته ومنه لما ذم على ذلك، بل كان محموداً عليه ولكنه غفل عن المنعم بكشفها ونسب الذهاب إليها وفرح وافتخر فإذا علم الله ـ سبحانه ـ هذا من قلب عبد فذلك من أعظم أسباب خذلانه


١- سورة النمل آية: ٤٠.
٢- سورة القصص آية: ٧٨.
٣- سورة فصلت آية: ٥٠.
٤- سورة هود آية: ٩ ـ١٠.

<<  <   >  >>