للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان أو غيره كما قال تعالى: {وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} ١ وعلى القول بعموم الآية فإن من أعظم الاعتداء أن يدعي غير الله تعالى من المخلوقين سواء أكان الدعاء يوجه إليه مباشرة أو يدعون الله بهم كل ذلك اعتداء لا يحبه الله تعالى، لأنه وضع للعبادة في غير موضعها ومن الاعتداء أن يدعو الإنسان ربه تبارك وتعالى وهو غير مظهر للتضرع والتذلل فيكون دعاء هذا كدعاء المستغني المدل على ربه وهذا من الاعتداء الذي لا يحبه الله لمنافاته دعاء العبد المتذلل فمن لم يسأل ربه مسألة مسكين متضرع خائف فهو من المعتدين. كذلك من الاعتداء عبادة الله بما لم يشرعه ولا أذن فيه أو يثني على الله بما لم يثن به على نفسه. فذلك من الاعتداء في دعاء الثناء والعبادة وهو شبيه الاعتداء في دعاء المسألة والطلب قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وعلى هذا فتكون الآية دالة على شيئين:

أحدهما: محبوب للرب ـ سبحانه ـ وهو الدعاء تضرعاً وخفية.

الثاني: مكروه له مسخوط وهو الاعتداء، فأمر بما يحبه وندب إليه وحذر مما يبغضه وزجر عنه بما هو أبلغ طرق الزجر والتحذير وهو لا يحب فاعله ومن لا يحبه الله فأي خير يناله ... إلى أن قال فقسمت الآية الناس إلى قسمين داع لله تضرعاً وخفية، ومعتد بترك ذلك. اهـ٢.

وقال تعالى: {وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} ٣.

والآيات كثيرة جداً في إثبات دعاء المسألة المتضمن دعاء العبادة ويكفينا منها هذا القدر الذي قدمنا ذكره وكلها فيها الرد الواضح على من ينكر عبودية دعاء المسألة ويكابر مناصرة لدعاء الموتى من أهل القبور، بزعمه أن الدعاء الوارد في القرآن إنما المراد به دعاء العبادة، ليسوغوا لأنفسهم سؤال غير الله ـ تعالى ـ ودعاء أهل القبور، وقد اعتبر القرآن دعاء غير الله ـ تعالى ـ من أبلغ الضلال. قال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً


١- مجموع الفتاوى ١٥/٢٣ والآية رقم ١٩٠ من سورة البقرة.
٢- مجموع الفتاوى ١٥/٢٣ ـ ٢٤.
٣- سورة الأعراف آية: ٥٦.

<<  <   >  >>