للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} ١. فالآية الأولى بينت أنه لا أضل ممن يدعو أحداً من دونه كائناً من كان وأن المدعو ليس لديه استجابة لما طلب منه من ميت أو غائب أو صنم أو وثن فالداعي لغير الله حظه من ذلك الخسران والخيبة، وأما الآية الثانية فقد بينت أنه إذا كان يوم القيامة فإن المعبود من دون الله يتبرأ ممن عبده ومن عبادته بل ينقلب له عدواً.

قال العلامة عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ: "فدلت أيضاً: أي الآية على أن دعاء غير الله عبادة له وأن الداعي له في غاية الضلال، وقد وقع من هذا الشرك في هذه الأمة ما طم وعم حتى أظهر الله من يبينه بعد أن كان مجهولاً عند الخاصة والعامة إلا من شاء الله ـ تعالى ـ وهو في الكتاب والسنة في غاية البيان لكن القلوب انصرفت إلى ما زين لها الشيطان" اهـ٢.

وهو كما قال رحمه الله ـ تعالى ـ فإن الشيطان زين لبعض المسلمين دعاء أهل القبور واللجوء إليهم عند الشدائد والإستغاثة بهم في الملمات، والناظر بعين البصيرة لما عليه القبوريون في أغلب الأقطار الإسلامية يقطع يقيناً بأنهم بدلوا قولاً غير الذي قيل لهم فبدلاً من إتيانهم القبور للدعاء لأهلها بالمغفرة والرحمة وسؤال العافية لهم تجدهم يدعونهم ويسألونهم مطالب لا يقدر عليها إلا الله ـ تعالى ـ أو يدعون الله ـ تعالى ـ بهم بقصد القربى وأنهم يشفعون لهم عند الله ـ تعالى ـ ونسوا أن المقصود من زيارة القبور أمران:

الأمر الأول: تذكُّر الآخرة والإعتبار والإتعاظ وقد أشار إلى ذلك المصطفى عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه الترمذي وغيره من حديث بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزورها فإنها تذكر الآخرة" ٣ وهذا من إحسان الحي إلى نفسه.

الأمر الثاني: الإحسان إلى الميت بالدعاء له بالرحمة والمغفرة كما كان يفعله صلى الله عليه وسلم فإنه كان إذا زار أهل البقيع يقول: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين وأتاكم ما توعدون غداً مؤجلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد" ٤.


١- سورة الأحقاف آية: ٥ ـ ٦.
٢- قرة عيون الموحدين: ص١٠٤.
٣- سنن الترمذي: ٢/٢٥٩.
٤- رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها: ٢/٦٦٩.

<<  <   >  >>