للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذه هي الزيارة المشروعة التي يؤديها أهل التوحيد، وأما زيارة الذين أشربت قلوبهم بعبادة غير الله فإنهم يزعمون أن الميت المعظم الذي لروحه قرب ومنزلة عند الله ـ تعالى ـ لا يزال تأتيه الألطاف من قبل الله ـ تعالى ـ وتفيض على روحه الخيرات، فإذا علق الزائر روحه به، وقربها منه يحصل لها الفيض من روح ذلك المزور ويكتسب من تلك الألطاف بواسطتها كما ينعكس شعاع لمرآة الصافية والماء ونحوه على الجسم المقابل، وقالوا لا تتم الزيارة إلا إذا توجه الزائر بروحه وقلبه إلى الميت وعكف بهمته إليه ووجه قصده وإقباله عليه بحيث لا يبقى فيه التفات إلى غيره وكلما كان جمع همته وقلبه عليه أعظم، كان أقرب إلى انتفاعه به، والذي قرر هذه الزيارة الشركية على هذا النحو ابن سيناء والفارابي وغيرهما١ وهذا ما كان عليه عباد الكواكب وعباد الأصنام، ومن ثم تسلسل هذا الاعتقاد الباطل إلى عباد القبور فاتخذوها أعياداً، وعلقوا عليها الستور، فأوقدوا السرج عليها، وبنوا عليها المساجد والقباب وهذا ما قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم إبطاله ومحو أثره كلية وسد كل ذريعة تفضي إليه ولما عرف المشركون قصده وقفوا في طريقه وناقضوه في قصده وكان صلى الله عليه وسلم في شق وهم في شق ولذلك كان القرآن ينزل بتكفيرهم ولعنهم وإباحة دمائهم وأموالهم وسبي ذراريهم، وأوجب لهم النار، والقرآن من أوله إلى آخره مملوء بالرد عليهم وإبطال كل معتقد لهم في ذلك.

قال الشيخ سليمان بن عبد الله٢ بعد أن بين دعاء العبادة ودعاء المسألة:

"إذا تبين ذلك فاعلم أن العلماء أجمعوا على أن من صرف شيئاً من نوعي الدعاء لغير الله فهو مشرك ولو قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله وصلى وصام، إذ شرط الإسلام مع التلفظ بالشهادتين أن لا يعبد إلا الله، فمن أتى بالشهادتين، وعبد غير الله فما أتى بهما حقيقة، وإن تلفظ بهما كاليهود الذين يقولون لا إله إلا الله وهم مشركون ومجرد التلفظ بهما لا يكفي في الإسلام بدون العمل بمعناهما واعتقاده إجماعاً"٣.


١- إغاثة اللهفان ١/٢١٩.
٢- هو: الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب أحد السلسلة الذهبية التي قيضها الباري ـ سبحانه ـ للدعوة إلى التوحيد الخالص ونبذ الشرك والبدع والخرافات في الجزيرة العربية. كان رحمه اله بارعاً في التفسير والحديث والفقه توفي سنة ثلاث وثلاثين ومائتين وألف هجرية. انظر ترجمته في كتاب "عنوان المجد في تاريخ نجد" ١/٢١٢، هدية العارفين ١/٤٠٨، معجم المؤلفين ٤/٢٦٨.
٣- تيسير العزيز الحميد ص: ١٩٢.

<<  <   >  >>