للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما قصة عثمان بن حنيف، والحديث الذي عند ابن السني لم يحظيا بالصحة بل هما باطلان، وما جاء به القبوريون بعد ذلك فإنما هو من اختلاقهم أنفسهم مثل حديث "إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور: وقد تقدم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فهذا الحديث كذب مفترى على النبي صلى الله عليه وسلم بإجماع العارفين بحديثه، ولم يروه أحد من العلماء بذلك ولا يوجد في شيء من كتب الحديث المعتمدة"١.

فالأخبار التي يضعها القبوريون في جواز دعاء أهل القبور والإستغاثة بهم يعرف كذبها بمجرد مرورها على السامع لأن لفظها ليس عليه رونق، وجمال الألفاظ النبوية.

والذي نخلص إليه مما تقدم أن الدعاء من أوضح صور العبادة، فلا يجوز أن يصرف لغير الله ـ تعالى ـ لأنه حق من حقوقه على عباده فبالدعاء يظهر ذل العبودية ويعرف العبد عزة الربوبية، وهذا هو الغرض المقصود من جميع أنواع العبادات ذلك أن العبد حينما يقدم على الدعاء فإنه لا يقدم عليه إلا إذا عرف من نفسه أنه محتاج إلى ما يطلبه من ربه ـ تبارك وتعالى ـ ويعرف أنه عاجز عن تحصيل مقصده إلا بعون الله له على ذلك فإذا علم أن الله يسمع دعاءه، ويعلم حاجته، وأنه له القدرة على دفع تلك الحاجة فهو الإله الرحيم الذي تقتضي رحمته قضاء حاجات عباده ومن هنا كان المقصود من جميع التكاليف الشرعية معرفة ذل العبودية، وعزة الربوبية والدعاء انتظم تحته الأمران ولذلك كان الدعاء من أعظم أنواع العبادات فلا يجوز أن يدعى غيره من المخلوقين أياً من أنواع الدعاء، لا دعاء العبادة ولا دعاء المسألة، ومن فعل ذلك فهو مشرك بالله العظيم، كذلك لا يجوز الدعاء عند الأضرحة والقبور، فإن ذلك وسيلة إلى الشرك، وجعلها أنداداً من دون الله ـ تعالى ـ، ولا يجوز أن يدعى الله بأحد من خلقه، أو يقسم به عليه، فإن شأن الله أعظم من أن يقسم عليه، أو يسأل بأحد من خلقه، وقد أنكر ذلك كله أئمة الدين ٢، عليهم رحمة الله أجمعين.


١- مجموع الفتاوى ١/٣٥٦.
٢- انظر إغاثة اللهفان ١/٢١٦ ـ ٢١٧.

<<  <   >  >>