للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال صاحب تحفة الأحوذي١: "لو تعلمون ما أعلم" أي: من عقاب الله للعصاة وشدة المناقشة يوم الحساب. لضحكتم جواب لو. "ولبكيتم كثيراً" أي: بكاء كثيراً، أو زماناً كثيراً أي: من خشية الله ترجيحاً للخوف على الرجاء، وخوفاً من سوء الخاتمة" أ. هـ٢.

وروى الترمذي في سننه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من خاف أدلج٣ ومن أدلج بلغ المنزل ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة"٤.

هذا الحديث من الأمثلة النبوية التي ضربها الرسول صلى الله عليه وسلم لمن يسلك طريق الآخرة إذ الشيطان واقف على طريقه والنفس تمنيه الأماني الكاذبة فإن كان متنبهاً في سيره وأخلص النية في العمل أمنه الله من الشيطان ومكره فطريق الآخرة يحتاج إلى جهد كبير لتحقيق العمل الصالح لأن الجنة ثمنها الأعمال الصالحة قال تعالى: {إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ} ٥.

وروى الترمذي أيضاً من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال أبو بكر: يا رسول الله قد شبت قال: "شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعمَّ يتساءلون وإذا الشمس كورت" قال الترمذي هذا حديث حسن غريب٦.

فهذا الحديث تضمن شدة خوف النبي صلى الله عليه وسلم ـ من الله تعالى ـ فلما تضمنت السور المذكورة في الحديث كثيراً من أهوال يوم المعاد، وما نزل بالأمم التي خلت من قبل أمة محمد من النوازل أخذت تلك السور من النبي صلى الله عليه وسلم مأخذها حتى ظهر فيه الشيب قبل وقته الذي فيه فينبغي لكل مسلم أن لا يخاف إلا الله تعالى الذي بيده أزمة الأمور جميعها، ويسعى في تحقيق عبودية الخوف ويجعلها خالصة لله ـ تعالى ـ امتثالاً لأمر الباري ـ سبحانه ـ


١- اسمه محمد بن عبد الرحمن المباركفوري المتوفي سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة.
٢- ٦/٦٠٣.
٣- الدلجة: السير أول الليل.
٤- سنن الترمذي ٤/٥١.
٥- سورة التوبة آية: ١١١.
٦- سنن الترمذي ٥/٧٦.

<<  <   >  >>