للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رجلاً فيمن سلف، أو فيمن كان قبلكم قال كلمة يعني أعطاه الله مالاً وولداً فلما حضرت الوفاة قال لبنيه: أي أب كنت لكم؟ قالوا: خير أب قال: فإنه لم يبتئر، أو لم يبتئز١ عند الله خيراً وإن يقدر الله عليه يعذبه فانظروا إذا مت فأحرقوني حتى إذا صرت فحماً فاسحقوني، أو قال فاسحكوني، فإذا كان يوم ريح عاصف فأذروني فيها فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم فأخذ مواثيقهم على ذلك وربي ففعلوا ثم أذروه في يوم عاصف فقال الله ـ عز وجل ـ كن فإذا هو رجل قائم قال الله أي عبدي ما حملك على أن فعلت ما فعلت؟ قال مخافتك أو فرق منك٢ قال: "فما تلافاه أن رحمه عندها وقال مرة فما تلافاه غيرها"٣.

فهذا الحديث دل على أن العبد إذا أخلص العبادة لله ولم يبتغ بها أحداً سواه وأخلص الخوف لله ـ جل وعلا ـ أورثه ذلك مغفرة الله ـ تعالى ـ ورحمته، فعلى الإنسان أن لا يخاف إلا ربه العلي الكبير، أما ما سواه فلا يخاف منه لأنه لا يستطيع أن يضره إلا بإذن الله ـ تعالى ـ ولا يقدر على نفعه إلا بما كتبه الله له فالفضل كله عائد إلى الله ـ تعالى ـ بداية ونهاية.

وروى الشيخان في صحيحيهما من حديث عائشة رضي الله عنها في قصة خسوف الشمس على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم حيث صلى بهم صلاة الكسوف ركعتين في كل ركعة ركوعان ثم انصرف إلى الناس وقد انجلت الشمس ووعظهم موعظة بين لهم أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته وأرشدهم أنهم إذا رأوا ذلك دعوا الله تعالى وكبروه وصلوا وتصدقوا.

ثم قال: "يا أمة محمد لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً"٤.

فقد بين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن أمته لو تعلم ما يعلم من عظيم قدرة الله وشدة انتقامه من العصاة الفاسقين لتركوا الضحك، ولما حصل منهم إلا في النادر لشدة غلبة الخوف والحزن الذي يعلو قلوبهم.


١- أي لم يدخر.
٢- الفرق: الخوف.
٣- صحيح البخاري ٤/٢٩٨.
٤- صحيح البخاري ١/١٨٥، صحيح مسلم ٢/٦١٨.

<<  <   >  >>