للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبعد هذا الإستطراد اليسير الذي لا يخلو من الفائدة نرجع إلى عبودية الرجاء فنقول: إن مما ينبغي لكل إنسان أن تكون حياته بين الخوف والرجاء يخاف عقاب الله ويرجو رحمته. روى ابن جرير بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} قال: "يحذر عقاب الآخرة ويرجو أن يرحمه الله فيدخله الجنة" ١. واختلف العلماء في أيهما يكون الغالب على العبد؟

فقيل: إن العبد إذا كان صحيحاً يستحب أن يغلِّب عليه جانب الخوف وإن كان في حالة المرض يغلِّب جانب الرجاء.

وقال قوم: يستحب الإقتصار على الرجاء عند الإشراف على الموت لما يتضمنه الرجاء من الإفتقار إلى الله تعالى ولأن المحذور من ترك الخوف قد تعذر فيتعين حسن الظن بالله برجاء عفوه ومغفرته واستدلوا بحديث: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله" ٢.

وقالت طائفة ثالثة: لا يهمل جانب الخوف أصلاً بحيث يجزم بأنه آمن، واستدلوا بحديث أنس عند الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت فقال له: "كيف تجدك؟ " فقال: أرجو الله وأخاف ذنوبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يجتمعان في قلب عبد في هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وآمنه مما يخاف" قال الترمذي: هذا حديث غريب. وقد روى بعضهم هذا الحديث عن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً٣ قال الحافظ بعد أن أورد هذا الحديث: "ولعل البخاري أشار إليه في الترجمة ولما لم يوافق شرطه أورد ما يؤخذ منه وإن لم يكن مساوياً له في التصريح بالمقصود"٤.

ولقد حث الله ـ تعالى ـ عباده في مواضع كثيرة في كتابه على أن يتعبدوه بالرجاء وحده


١- جامع البيان ٢٣/٢٠٢.
٢- رواه مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله ٤/٢٢٠٦.
٣- سنن الترمذي ٢/٢٢٧.
٤- فتح الباري ١١/٣٠١، تفسير ابن كثير ٦/٨٢.

<<  <   >  >>