للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الملائكة قال: إني إله من دون الله سواه. وروي عن ابن جريج وقتادة "أن الآية خاصة بإبليس لأنه دعا إلى عبادة نفسه فنزلت الآية في إبليس"١.

والذي نخلص إليه مما قدمنا ذكره أن الطاغوت شامل لكل معبود دون الله وكل رأس ضلال يدعو إلى الباطل ويزينه لمتبعيه كما أنه يشمل كل من نصبه الناس للحكم بينهم فحكم بأحكام الجاهلية المنتنة المضادة لحكم رب العالمين وحكم رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم، فالحاكم بغير ما أنزل الله طاغوت لأنه نصب نفسه منصب الإله المشرع، وهنا يظهر معنى مجاوزة الحد في معنى الطاغوت، فإن الحاكم ملزم بأن يتقيد بأحكام ـ الرب سبحانه ـ التي أنزلها لعبيده وأوضحها لهم فعليه أن يطبقها في غاية من الدقة والتحري سواءاً بسواء فإذا ما عدل عنها وحكم برأيه وهواه فإنه نزل نفسه منزلة الإله المشرع لخلقه وتجاوز حده المحدود له من كونه عبداً لله ينفذ أحكامه إلى إله مشرع يحكم بما يريد فتجاوز حد العبودية إلى منزلة الألوهية فصار بذلك طاغوتاً لتجاوزه حده الذي حد له، كما أنه يدخل في معنى الطاغوت الكاهن والساحر وسدنة الأوثان الداعين إلى عبادة المقبورين لأنهم ينسجون من الحكايات المضلة للجهال والموهمة بأن المقبور ونحوه يقضي الحاجات للذين يقصدونه ويتوجهون إليه وأنه فعل كذا وكذا مما هو كذب صريح، أو هو من فعل الشياطين.

وبمثل هذه الأكاذيب والأباطيل يوقعون الناس في الشرك الأكبر ولواحقه. "فكل ما صرف الناس عن عبادة ربهم وطاعته فهو طاغوت. فالأوثان والمشاهد والأشجار والقباب التي تعبد من دون الله إنما هي طواغيت لأنها صرفت الكثير من الناس عن عبادة ربهم بحيث صرفوا لها كثيراً من أنواع العبادات وألهوها. وأصل أنواع الطواغيت كلها وأعظمها إبليس فهو الطاغوت الأكبر والعدو الأعظم لأنه يصرف الناس عن عبادة خالقهم ويغويهم فيعبدون غير الله ويسفكون الدماء ويحلون الحرام ويحرمون الحلال نسأله ـ تعالى ـ أن لا يجعل للشيطان علينا سبيلاً"٢.


١- جامع البيان عن تأويل آي القرآن ١٧/ ١٧.
٢- انظر الرسالة الثالثة "تعريف العبادات وتوحيدها والإخلاص ... للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين" ضمن مجموعة التوحيد للشيخ محمد بن عبد لوهاب ولبعض أبنائه وأحفاده ص٤٠١.

<<  <   >  >>