للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما تعريفها في الشرع:

فقد ذكر لها العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى تعريفين:

فقال: الإنابة هي: عكوف القلب على الله ـ عز وجل ـ كاعتكاف البدن في المسجد لا يفارقه، وحقيقة ذلك عكوف القلب على محبته وذكره بالإجلال، والتعظيم وعكوف الجوارح على طاعته بالإخلاص له، والمتابعة لرسوله، ومن لم يعكف قلبه على الله ـ وحده ـ عكف على التماثيل المتنوعة كما قال إمام الحنفاء {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} ١ فكان حظ قومه العكوف على التماثيل وكان ـ حظه ـ العكوف على الرب الجليل٢.

وقال رحمه الله معرفاً لها بتعريف آخر:

"والإنابة الرجوع إلى الله وانصراف دواعي القلب وجواذبه إليه وهي: تتضمن المحبة، والخشية فإن المنيب محب لمن أناب إليه خاضع له خاشع ذليل"٣ اهـ. ولقد دلت سورة "الزمر" على أن الإنابة عبادة لله ـ عز وجل ـ في ثلاث آيات منها:

قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الإنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ للهِ أَنْدَاداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ} .

وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ} .

وقال تعالى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ} .

فهذه الآيات الثلاث دلت على أن الإنابة نوع من أنواع العبادة التي يجب إخلاصها ـ للباري جل وعلا ـ


١- سورة الأنبياء آية: ٥٢.
٢- الفوائد ص١٩٠.
٣- طريق الهجرتين ص ١٧٣.

<<  <   >  >>