للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالآية الأولى: هي قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الإنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ} الآية: فقد أوضح الله ـ تعالى ـ فيها أن الإنسان الكافر بربه ـ سبحانه ـ عندما ينزل به البلاء والشدة، وتلحقه المضرة إما في نفسه أو ماله، أو ولده فإنه يلجأ إلى الله ـ عز وجل ـ منيباً إليه ومستغيثاً به ـ وحده ـ ليكشف عنه ما نزل به وأصابه فإذا ما تفضل الله عليه بالنعم، والعطاء والرخاء نسي ـ ربه ـ الذي أناب إليه وقت الشدة ونسي حالته التي كان عليها في حال الشدة فجعل لله الشركاء والأنداد فيعبدهم مع الله ـ عز وجل ـ أو يخصهم دونه بالعبادة ليضل نفسه وغيره عن دين الحق والتوحيد الذي هو الطريق الموصل إلى الله ـ سبحانه ـ.

قال العلامة ابن جرير: "يقول تعالى ذكره: {وَإِذَا مَسَّ الإنْسَانَ} بلاء في جسده من مرض، أو عاهة، أو شدة في معيشته وجهد وضيق {دَعَا رَبَّهُ} يقول استغاث بربه الذي خلقه من شدة ذلك ورغب إليه في كشف ما نزل به من شدة ذلك، وقوله: {مُنِيباً إِلَيْهِ} يقول: تائباً إليه مما كان من قبل ذلك عليه من الكفر به، وإشراك الآلهة والأوثان في عبادته، راجعاً إلى طاعته" اهـ١.

وأما الآية الثانية وهي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ} .

فهذه الآية إخبار من الله ـ جل وعلا ـ أن البشرى منه إنما هي لأهل الإنابة الذين أنابوا إلى الله بعبادته وإخلاص الدين له فانصرفت دواعيهم عن عبادة الأصنام إلى عبادة الملك العلام، ومن الشرك والمعاصي إلى التوحيد والطاعات والبشرى التي ذكرها الله ـ تعالى ـ لأهل الإنابة لا يعلم وصفها إلا هو ـ سبحانه وتعالى ـ وهي شاملة للبشرى في حياتهم الدنيا بالثناء الحسن، وتكلؤهم عناية الله التي يحسون من خلالها أنهم إذا قدموا على ربهم فلهم عنده الكرامة في الدار الآخرة بحيث يحل عليهم رضوانه وبره وإحسانه وأمانه في الجنة، وما أعظمها من كرامة التي لا تساويها أي كرامة.

قال العلامة عماد الدين ابن كثير: قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا} نزلت في زيد بن عمرو بن نفيل وأبي ذر وسلمان الفارسي رضي الله تعالى عنهم، والصحيح أنها شاملة لهم ولغيرهم ممن اجتنب عبادة


١- جامع البيان ٢٣/١٩٩.

<<  <   >  >>