للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأوثان وأناب إلى عبادة الرحمن فهؤلاء الذين لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة" اهـ١.

وأما الآية الثالثة: وهي قوله تعالى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ} .

فهذه الآية تضمنت الأمر من الله ـ تعالى ـ لجميع عباده بالإنابة إليه وحده دون سواه وأن يسلموا له أنفسهم وقلوبهم وينقادوا له انقياداً تاماً ظاهراً وباطناً عن طواعية ورضا قبل أن ينزل بهم العذاب فلا يجدون من ينصرهم من دونه ويدفع عنهم عقابه لأنه لا طاقة لأحد في مواجهة عذاب الله الذي يحل بالمتمردين على أوامر الله ونواهيه.

قال العلامة ابن جرير حول قوله تعالى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} "يقول تعالى ذكره: وأقبلوا أيها الناس إلى ربكم بالتوبة وارجعوا إليه بالطاعة واستجيبوا له إلى ما دعاكم إليه من توحيده، وإفراد الألوهية له، وإخلاص العبادة له ... إلى أن قال: قال ابن زيد: الإنابة: الرجوع إلى الطاعة والنزوع عما كانوا عليه {وَأَسْلِمُوا لَهُ} يقول: واخضعوا له بالطاعة" اهـ٢.

فتبين من الآيات الثلاث الواردة في السورة في شأن الإنابة، أن الإنابة نوع من أنواع العبادة يجب على العبد أن يحققها ويجعلها من خالص حقه ـ تعالى ـ فلا ينيب إلا إلى ربه، ولا يتوب إلا إليه لأن مغفرة الذنوب من حقه ـ تعالى ـ وليس لأحد سواه من ذلك شيء.

الإنابة نوعان:

النوع الأول: إنابة لرُبوبيته ـ تعالى ـ وهي إنابة كل المخلوقات وهذا النوع مشترك بين المؤمن والكافر والبر والفاجر قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ} ٣ فهذا عام في حق كل داع أصابه ضر كما هو الواقع وهذه الإنابة ليس من مستلزماتها الإسلام، بل تجتمع مع الشرك والكفر كما جاء في تمام هذه الآية {ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ * لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ} ٤ فهذه حالهم بعد الإنابة.


١- تفسير القرآن العظيم ٦/٨٤، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ١٥/٢٤٤.
٢- جامع البيان ٢٤/١٧.
٣- سورة الروم آية: ٣٣.
٤- سورة الروم آية: ٣٤.

<<  <   >  >>