للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن هذه الأفلاك تدور كدورات المنجنون١ على حد واحد إلى يوم القيامة وعنده تطوى السماء كطي السجل للكتب. أ. هـ٢.

وقال العلامة ابن القيم: ثم تأمل هذا الفلك الدوّار بشمسه وقمره ونجومه وبروجه وكيف يدور على هذا العالم هذا الدوران الدائم إلى آخر الأجل على هذا الترتيب والنظام وما في طي ذلك من اختلاف الليل والنهار والفصول والحر والبرد وما في ضمن ذلك من مصالح ما على الأرض من أصناف الحيوان والنبات وهل يخفى على ذي بصيرة أن هذا إبداع المبدع الحكيم وتقدير العزيز العليم ولهذا خاطب الرسل أممهم مخاطبة من لا شك عنده في الله وإنما دعوهم إلى عبادته وحده لا إلى الإقرار به. أ. هـ٣.

فتعاقب الليل والنهار ناتج عن طلوع الشمس وغروبها فلولا تسخيره سبحانه الشمس والقمر والليل والنهار بصورة منظمة محكمة بلغت النهاية في التنظيم والإبداع لتعطل أمر العالم بأسره فلقد ذلل الله الشمس والقمر وسيرهما في أفلاكهما سيراً سريعاً متوازناً بحيث لا يؤدي ذلك إلى ارتطام أو اصطدام بينهما، وقد عد الله ذلك من آياته قال تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} ٤.

فالليل والنهار يتعاقبان على حد معلوم وقدر مقسوم كل منهما يتعقب الآخر مسرعاً في طلبه ويتغلب على المكان الذي كان فيه والشمس والقمر يدوران والنجوم الثابتة والسيارة كل في فلك يسبحون بسير مقدر ونور مقرر، وانتظام دقيق، وحركة محسوبة وترابط عجيب تبعاً لسنن إلهية مقررة، فلو قدر للشمس أن لا تغيب لحميت الأرض بدوام شروقها ولهلك كل من عليها من حيوان ونبات فكان طلوعها بمنزلة السراج يرفع لأهل البيت ليقضوا حوائجهم ثم تغيب عنهم مثل ذلك ليقروا ويهدءوا. وصار ضياء النهار مع ظلام الليل وحر هذا مع برد هذا مع تضادهما متعاونين متظاهرين بهما تمام مصالح العالم. وقد


١- المنجنون: الدولاب التي يستقي عليها. انظر مختار الصحاح ص٦٣٥.
٢- التفسير الكبير ٢٦/٢٤٤.
٣- مفتاح دار السعادة ١/٢١٢.
٤- سورة يس آية: ٣٧ ـ ٤٠.

<<  <   >  >>