للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أشار تعالى إلى هذا المعنى في قوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ} ١.

فخص سبحانه النهار بذكر البصر لأنه محله وفيه سلطانه وتصرفه وخص الليل بذكر السمع لأن سلطان السمع يكون بالليل وتسمع فيه الحيوانات ما لا تسمع في النهار لأنه وقت هدوء الأصوات وخمود الحركات٢.

وهناك فوائد أخرى مترتبة على حركة الشمس والقمر أشار إليها سبحانه بقوله: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} ٣.

"فالخلق بأسرهم بحاجة ماسة إلى معرفة الحساب الذي لا غناء لهم في مصالحهم عنه فعليه تتوقف معرفة أعمارهم والآجال المضروبة للديون والإجارات والمعاملات والعدد وغير ذلك فلولا حلوك الشمس والقمر في المنازل وتنقلهما فيها منزلة بعد منزلة لم يعلم شيء من ذلك"٤.

فالحركة الدائبة للشمس والقمر قائمة على النظام والإتقان والتقدير الإلهي الذي شمل كل مخلوقات الله تعالى ذلك الكون منظم منسق وانتظامه مرتبط بإرادة الله وقدرته كما أن استمراره على هذه الحالة منوط باختيار الله تعالى ومشيئته قال تعالى: {صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} ٥ وقال تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} ٦ وقال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} ٧.

فليس هناك فوضى أو عبث وإنما هو إتقان وتقدير إلهي والنظام المتمثل في هذا


١- سورة القصص آية: ٧١ ـ ٧٢.
٢- مفتاح دار السعادة ١/٢٠٧ ـ ٢٠٨، التفسير القيم ص٤٠٢.
٣- سورة يونس آية: ٥.
٤- مفتاح دار السعادة ١/٢٠٩.
٥- سورة النمل آية: ٨٨.
٦- سورة الفرقان آية: ٢.
٧- سورة القمر آية: ٤٩.

<<  <   >  >>