للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الكون يدركه عقل الإنسان بسهولة ويسر لأنه لا يحتاج إلى كد ذهن أو إعمال فكر لأنه خطاب موجه من العليم بنفوس البشر جميعاً فاقتضت الحكمة الإلهية مخاطبة الناس كافة بآيات هذا الكون الفسيح وما فيه من عجائب المخلوقات ولقد أحسن من قال:

تأمل سطور الكائنات فإنها ... من الملأ الأعلى إليك رسائل

وقد خط فيها لو تأملت خطها ... ألا كل شيء ما خلا الله باطل

تشير بإثبات الصفات لربها ... فصامتها يهدي ومن هو قائل١

فدلائل ربوبية الخالق ماثلة في كل ما يحيط ببني الإنسان على مختلف حواسهم، نشرها الباري بينهم لكي يقرؤوها فيعبدوه ويوحدوه دون سواه.

٤ ـ خلقه تعالى بني آدم من نفس واحدة:

قال تعالى: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} هذه الآية من السورة بين الله تعالى فيها أنه خلق بني آدم الذين لا يحصي عددهم إلا هو ـ سبحانه ـ من أب واحد وهو آدم عليه السلام حيث كان خلقه في المرحلة الأولى منفرداً، ثم خلق له الباري ـ سبحانه ـ زوجة من نفسه وجسمه وهي حواء في سورة نادرة ليس لها مثيل بين المخلوقات٢، فخلقه تعالى البشرية على هذا النحو من أعظم الأدلة الدالة على إبداع المبدع الحكيم والمدبر العليم، وخلقه ـ تعالى ـ بني آدم من نفس واحدة فيه لفت أنظارهم إلى مبدأ خلقهم وأن البشرية على اختلاف تنوعها بين الذكورة والأنوثة، وعلى اختلافها في العرق والعنصر وتباينها في اللغة واللون، فإن مرجعها إلى مصدر واحد وإلى منشأ واحد كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً} ٣.

قال ابن جرير حول قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} "يعني بقوله تعالى ذكره: احذروا أيها الناس ربكم في أن تخالفوه فيما أمركم، وفيما نهاكم فيحل بكم من عقوبته ما لا قبل لكم به


١- مدارج السالكين ٣/٣٥٦.
٢- انظر جامع البيان ٢٣/١٩٣، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٦/٨٠، التفسير الكبير للرازي ٢٦/٢٤٤ ـ ٢٤٥، تفسير النسفي ٤/٥٠.
٣- سورة النساء آية: ١.

<<  <   >  >>