للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال ابن كثير: "يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق أي: قدركم في بطون أمهاتكم يكون أحدكم أولاً نطفة ثم يكون علقة ثم يكون مضغة ثم يخلق فيكون لحماً وعظماً وعصباً وعروقاً وينفخ فيه الروح فيصير خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين"١.

قال أبو الحسن الأشعري رحمه الله تعالى: "إن الإنسان إذا فكر في خلقه من أي شيء ابتدأ وكيف دار في أطوار الخلقة طوراً بعد طور حتى وصل إلى كمال الخلقة وعرف يقيناً أنه بذاته لم يكن ليدبر خلقته، وينقله من درجة إلى درجة وينقيه من نقص إلى كمال علم بالضرورة أن له صانعاً قادراً عالماً مريداً إذ لا يتصور حدوث الأفعال المحكمة من طبع، لظهر آثار الاختيار في الفطرة وتبين آثار الأحكام والإتقان في الخلقة فله تعالى صفات دلت أفعاله عليها لا يمكن جحدها" أ. هـ٢.

وقد أكد شيخ الإسلام ابن تيمية "أن أحسن ما يستدل به على ربوبية الخالق هو الاستدلال بخلق الإنسان نفسه كما كرر ذلك كتاب الله إذ هو الدليل وهو المستدل {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُون} ٣. ثم بما يحدثه في هذا الوجود من آثار" أ. هـ٤.

والحال كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إذ أن خلق الإنسان من أعظم الآيات الدالة على وجدود ـ الخالق سبحانه ـ ومن أعظم الآيات الدالة على عموم قدرته وعلمه، وكمال حكمته وإحسانه ورحمته، ولما كان خلق الإنسان من أوضح الأدلة على وجود ـ الباري جل وعلا ـ ومن أقرب الأدلة وضوحاً للإنسان نفسه أن نجد أن الله ـ تعالى ـ دعا جميع عباده إلى أن يتفكروا وينظروا بعين البصيرة في مبدأ خلقهم، وفي أطوار هذا الخلق والمراحل التي مروا بها حتى صاروا بشراً ينتشرون على هذه الأرض. قال تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الإنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} ٥ وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا


١- تفسير القرآن الكريم ٦/٨٠.
٢- الملل والنحل للشهرستاني ١/٩٤.
٣- سورة الذاريات آية: ٢١.
٤- مجموع الفتاوى ١٦/٢٦٢.
٥- سورة الطارق آية: ٥.

<<  <   >  >>