للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مَنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً} ١.

وقال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} ٢

فهاتان الآيتان فيهما شرح لكيفية خلق الإنسان فقد بين الله فيهما أن أصل خلق الإنسان الأول وهو آدم عليه السلام كان من طين. ثم بين ـ تعالى ـ أنه خلق نسل آدم من تلك النطفة، التي مرت بأطوار مختلفة ففي البداية كانت نطفة ثم صارت علقة، ثم صارت مضغة، ثم صارت عظاماً، فكسيت تلك العظام لحماً إلى أن صار بشراً سوياً، وذلك من أعظم الأدلة الدالة على قدرة الله المهيمنة على كل شيء، ومن رحمته تعالى أنه هيأ لتلك النطفة الأسباب التي أوصلتها إلى مستقرها وقرارها المكين الذي يناسبها.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: " فانظر الآن إلى النطفة بعين البصيرة، وهي قطرة من ماء مهين، ضعيف لو مرت بها ساعة ـ أي لحظة ـ من الزمان فسدت وأنتنت، كيف استخرجها رب الأرباب العليم القدير من بين الصلب والترائب، منقادة لقدرته مطيعة لمشيئته مذللة الانقياد على ضيق طرقها، واختلاف مجاريها إلى أن ساقها إلى مستقرها ومجمعها ... وكيف قدر اجتماع ذينك المائين مع بعد كل منهما عن صاحبه، وساقهما من أعماق العروق والأعضاء، وجمعهما في موضع واحد جعل لهما قراراً مكيناً لا يناله هواء يفسده ولا برد يجمده، ولا عارض يصل إليه، ولا آفة تتسلط عليه، ثم قلب تلك النطفة إلى علقة حمراء مباينة للنطفة، ثم جعلها مضغة لحم، مباينة للعلقة في شكلها ولونها وحقيقتها، ثم تحويل تلك المضغة عظاماً مجردة لا كسوة عليها مباينة للمضغة كل المباينة في الشكل والهيئة والقدر والملمس، ثم كيف قسمت تلك النطفة الحمراء إلى تلك الأجزاء المتشابهة، وبالمقدار المناسب لكل عضو، ثم اتجاه كل جزء أو خلية إلى مكانها المناسب في وقتها وأوانها وعلى حسب الحاجة إليها فمنها ما يتجه إلى إنشاء العظام.


١- سورة الحج آية: ٥.
٢- سورة المؤمنون آية: ١٢ ـ ١٤.

<<  <   >  >>