للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السماء تنبع منه الأرض والإعتبار يدل على ذلك فإنه إذا كثر ماء السماء كثرت الينابيع وإذا قل قلت.

وماء السماء ينزل من السحاب والله ينشئه من الهواء الذي في الجو وما يتصاعد من الأبخرة.

وليس في القرآن أن جميع ما ينبع يكون من ماء السماء ولا هذا أيضاً معلوماً بالاعتبار فإن الماء قد ينبع من بطون الجبال ويكون فيها أبخرة يخلق منها الماء، والأبخرة وغيرها من الأهوية قد تستحيل ماءاً كما إذا أخذ إناء فوضع فيه ثلج فإنه يبقى ما أحاط به ماء، وهو هواء استحال ماء، وليس ذلك من ماء السماء فعلم أنه ممكن أن يكون في الأرض ماء ليس من السماء فلا يجزم بأن جميع المياه من ماء السماء وإن كان غالبها من ماء السماء. أ. هـ١.

وعلى كل حال فالماء آية دالة على قدرة الله ولطفه سواءاً كان الماء النازل من السماء أو الماء النابع من الأرض فهو من الآيات الكونية التي نصبها الله للدلالة على الصانع الحكيم وقدرته التي تتسع لكل شيء.

وإن فيما أنزله الله من جهة السماء من ماء مبارك عمرت به الأرض بعد خرابها لدليل ساطع على قدرة الله ووحدانيته وفي إنزاله أيضاً من السماء حكم عظيمة مترتب عليه الكثير من مصالح العباد.

قال العلامة ابن القيم: "ثم تأمل الحكمة البالغة في نزول المطر على الأرض من علو ليعم بسقيه وهادها وتلولها وظرابها وأكمامها ومنخفضها ومرتفعها ولو كان ربها تعالى إنما يسقيها من ناحية من نواحيها لما أتى الماء على الناحية المرتفعة إلا إذا اجتمع في السفلي وكثر وفي ذلك فساد فاقتضت حكمته أن سقاها من فوقها فينشئ سبحانه السحاب وهي روايا الأرض ثم يرسل الرياح فتحمل الماء من البحر وتلقحها به كما يلقح الفحل الأنثى ولهذا تجد البلاد القريبة من البحر كثيرة الأمطار وإذا بعدت من البحر قل مطرها وفي هذا المعنى يقول الشاعر يصف السحاب:

شربنا بماء البحر ثم ترفعت ... متى لجج خضر لهن نشيج


١- مجموع الفتاوى ١٦/ ١٦ ـ ١٧.

<<  <   >  >>