للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن حكمته ورحمته جل وعلا بعباده أنه ينزل المطر بقدر حاجة الأرض حتى إذا أخذت حاجتها منه وكانت تتابعه عليها يضر بها أمسكه عنها وأتبعه بالصحو فجعل تعالى الصحو والغيم متعاقبين لما فيهما من المصالح الكثيرة لهذا العالم.

قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} ١ قال أبو جعفر بن جرير يقول تعالى ذكره: "وما من شيء من الأمطار إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر لكل أرض معلوم عندنا حده ومبلغه.

وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "ما من أرض أمطر من أرض ولكن الله يقدره في الأرض"٢.

فلو قدر الله بأن توالت الأمطار لأهلكت كل ما على الأرض ولو زاد نزول المطر على قدر حاجتها لفسدت الحبوب والثمار وتعفنت الزروع والخضروات فترخي الأبدان ويحشر الهواء وتحصل ضروب من الأمراض وفسدت أكثر المآكل وتقطعت المسالك والسبل.

ولو قدَّر الله دوام الصحو لجفت الأبدان وغيض الماء وانقطع ماء العيون والآبار والأنهار والأودية وعظم الضرر واشتد الهواء فييبس ما على الأرض فيحدث عن ذلك ضروب من الأمراض عسرة الزوال ولكن حكمة اللطيف الخبير اقتضت بأن عاقب بين الصحو والمطر على هذا العالم فاعتدل الأمر وصح الهواء ودفع كل واحد منهما عادية الآخر واستقام أمر العالم وصلح٣.

والذي نخلص إليه مما تقدم أن إنزال الباري ـ سبحانه وتعالى ـ المطر من السماء ليعم بسقيه كل أجزاء الأرض ثم تنبت الأرض على أثره الزروع المختلفة لوناً وجنساً وطعماً ورائحة لدليل واضح على أن وراء هذا الكون إلهاً قادراً حكيماً يتصرف فيه كيف يشاء بيده الخلق والأمر سبحانه وتعالى.

٨ ـ تصرفه ـ تعالى ـ في شؤون خلقه:

لقد دلت السورة أنه تعالى المتصرف في شؤون خلقه كلها من الحياة والموت،


١- سورة الحجر آية: ٢١.
٢- جامع البيان عن تأويل آي القرآن ٢٤/١٨.
٣- مفتاح دار السعادة ١/٢٢٤ بتصرف.

<<  <   >  >>