ومن بسطه الرزق لمن يشاء، وتضييقه عمن يشاء وأن بيده خزائن السموات والأرض يفتح منها على من يشاء ويمسكها عمن يشاء من خلقه فله ـ سبحانه ـ التصرف المطلق في كل شيء في هذا الوجود وأن سواه لا يملك شيئاً كائناً من كان.
هذه الآية من السورة أقام الله فيها الدليل القاطع على قدرته الكاملة، وعلى ربوبيته الشاملة لكل مخلوق، فأخبر أنه يتوفى الأنفس، ويمسك الأرواح ويحول بينها وبين أبدانها حيلولة نهائية عندما يجيئها أجلها الذي قدره لها، كما بين ـ تعالى ـ أنه يقبضها نوعاً آخر من أنواع القبض حتى يكون إتصالها بالبدن إتصالاً غير تام بحيث يذهب عنها تمييزها وينقطع تفكيرها وتعلقها وذلك في حالة نومها.
فأما النفس الأولى: التي قضى الله عليها الموت فإنها تقبض عن البدن قبضاً نهائياً.
وأما النفس الثانية: التي توفيت الوفاة الصغرى بأن كانت نائمة فيطلقها ربها ويرسلها للعودة إلى جسدها إلى حين يأتيها أجلها عند انقضاء المدة التي بقيت لها من عمرها ثم يتوفاها إليه.
ثم أوضحت الآية أن ذلك القبض، والإرسال، والإمساك والإطلاق فيه العبر والآيات والدلائل الواضحة لمن تفكر وتدبر بهدف الوصول إلى الحقيقة التي يدرك من خلالها الإدراك الصحيح أن الإله القادر على هذه الأمور المذكورة هو الذي يجب أن توجه له العبادة وأنه يخلص له الدين كله.
قال ابن جرير رحمه الله تعالى حول الآية:{اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} الآية يقول تعالى ذكره: ومن الدلالة على أن الألوهة لله الواحد القهار خالصة دون كل ما سواه أنه يميت ويحيى ويفعل ما يشاء ولا يقدر على ذلك شيء سواه فجعل ذلك خبراً نبههم به على عظيم قدرته" أ. هـ١.
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى حول هذه الآية: "قال تعالى مخبراً عن نفسه الكريمة