للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بأنه المتصرف في الوجود بما يشاء، وأنه يتوفى الأنفس الوفاة الكبرى بما يرسل من الحفظة الذين يقبضونها من الأبدان، والوفاة الصغرى عند المنام كما تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمّىً ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ} ١. فذكر الوفاتين الصغرى ثم الكبرى وفي هذه الآية ذكر الكبرى ثم الصغرى ولهذا قال ـ تبارك وتعالى ـ {اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّى} ... إلى أن قال: "وقال بعض السلف يقبض أرواح الأموات إذا ماتوا وأرواح الأحياء إذا ناموا فتتعارف ما شاء الله ـ تعالى ـ أن تتعارف {فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ} التي قد ماتت {وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّى} قال السدي: إلى بقية أجلها، وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: يمسك أنفس الأموات ويرسل أنفس الأحياء ولا يغلط"٢.

وروي عن ابن عباس أيضاً في هذه الآية أنه قال: "بلغني أن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام فيتساءلون بينهم فيمسك الله أرواح الموتى ويرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها". وقال سعيد بن جبير "إن الله يقبض أرواح الأموات إذا ماتوا وأرواح الأحياء إذا ناموا فتتعارف ما شاء الله أن تتعارف {فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى} ٣ أي: يعيدها.

وقال السدي في قوله تعالى: {وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} قال: "يتوفاها في منامها فيلتقي روح الحي، وروح الميت فيتذاكران ويتعارفان قال: فترجع روح الحي إلى جسدها في الدنيا إلى بقية أجلها وتريد روح الميت أن ترجع إلى جسده فتحبس"٤.

وهذا البيان من هؤلاء الأئمة لمعنى الآية إنما هو أحد القولين في هذه الآية وهو: أن الممسكة من توفيت وفاة الموت أولاً، والمرسلة من توفيت وفاة النوم، فيكون المعنى


١- سورة الأنعام آية: ٦٠ ـ ٦١.
٢- تفسير القرآن العظيم ٦/٩٥ ـ ٩٦.
٣- جامع البيان ٢٤/٩، الروح لابن القيم ص٣٠ ـ ٣١.
٤- جامع البيان ٢٤/٩، كتاب الروح لابن القيم ص٣١.

<<  <   >  >>