للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على هذا التفسير أنه يتوفى نفس الميت فيمسكها ولا يرسلها إلى جسدها قبل يوم القيامة، ويتوفى نفس النائم ثم يرسلها إلى جسدها إلى بقية أجلها فيتوفاها الوفاة الكبرى، وأما التفسير الثاني في هذه الآية: هو أن الممسكة والمرسلة في الآية كلاهما توفيتا وفاة نوم فمن استكملت أجلها الذي قدر لها أمسكها عنده فلا ترجع إلى جسدها، ومن لم تستكمل الأجل المحدود لها ردها إلى جسدها لتستكمله، وقد اختار هذا الوجه شيخ الإسلام ابن تيمية وقال: "وعلى هذا يدل الكتاب والسنة فإن الله ذكر إمساك التي قضى عليها الموت من هذه الأنفس التي توفاها بالنوم، وأما التي توفاها حين موتها فتلك لم يصفها بإمساك ولا إرسال فتلك قسم ثالث" أ. هـ١.

أما تلميذه ابن القيم فقد جنح إلى ترجيح القول الأول وقال: لأنه ـ سبحانه ـ أخبر بوفاتين وفاة كبرى وهي وفاة الموت، ووفاة صغرى وهي وفاة النوم، وقسم الأرواح قسمين:

قسماً: قضى عليها بالموت فأمسكها عنده وهي التي توفاها الموت.

وقسماً: لها بقية أجل فردها إلى جسدها إلى استكمال أجلها، وجعل ـ سبحانه ـ الإمساك والإرسال حكمين للوفاتين المذكورتين أولاً فهذه ممسكة وهذه مرسلة، وأخبر أن التي لم تمت هي التي توفاها في منامها فلو كان قد قسم وفاة النوم إلى قسمين، وفاة موت، ووفاة نوم لم يقل "والتي لم تمت في منامها" فإنها من حين قبضت ماتت وهو ـ سبحانه ـ قد أخبر أنها لم تمت فكيف يقول بعد ذلك: "فيمسك التي قضى عليها الموت" بعد أن توفاها وفاة النوم فهو ـ سبحانه ـ توفاها أولاً وفاة نوم ثم قضى عليها الموت بعد ذلك.

والتحقيق أن الآية تتناول النوعين فإنه ـ سبحانه ـ ذكر وفاتين وفاة نوم ووفاة موت وذكر إمساك المتوفاة وإرسال الأخرى ومعلوم أنه ـ سبحانه ـ يمسك كل نفس ميت سواءاً مات في النوم أم في اليقظة، ويرسل نفس من لم يمت فقوله: {يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} يتناول من مات في اليقظة ومن مات في المنام"٢.

والذي يبدو أن القول الراجح هو ما قرره ابن القيم رحمه الله تعالى ولا ننسى أن نذكر


١- مجموع الفتاوى ٥/٤٥٢ ـ ٤٥٤، شرح حديث النزول ص٩٤.
٢- كتاب الروح لابن القيم ص٣١ ـ ٣٢.

<<  <   >  >>