للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن الآية المتقدمة وهي قوله تعالى: {اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} دلت على أن الروح محدثة لأنها وصفت بالوفاة، والقبض والإمساك، والإرسال وهذه الصفات من شأن المخلوق المحدث المربوب والمراد بالأنفس في الآية هي الأرواح قطعاً لما رواه البخاري في صحيحه من حديث بلال: "إن الله قبض أرواحكم حين شاء وردها حين شاء"١ فهذه الأرواح المقبوضة هي الأنفس التي يتوفاها الله حين موتها وفي منامها التي يتوفاها ملك الموت، وهي التي تتوفاها رسل الرب ـ سبحانه ـ بإذنه وقضائه وحكمه وأمره"٢.

وفي الآية أيضاً: "تنبيه على عظيم قدرته وانفراده بالألوهية، وأنه يفعل ما يشاء ويحيي ويميت، لا يقدر على ذلك سواه"٣.

٩ ـ بسطه تعالى الرزق لمن يشاء وتضييقه على من يشاء:

قال تعالى: {أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} .

أقام الله تعالى في هذه الآية دليلاً محسوساً وملموساً على ربوبيته يحسه العباد بحواسهم، ويلمسونه بين ظهرانيهم، ويشاهدون ذلك بأبصارهم فيوحدوه ـ سبحانه ـ ويفردوه بالعبادة، وهذا الدليل هو أنه ـ سبحانه ـ الفعال لما يشاء بتوسيعه الرزق على من يشاء من عباده سواء كان صالحاً أو غير صالح، ويضيقه على من يريد من عباده سواء كان صالحاً، أو طالحاً فرزقه ـ سبحانه ـ مشترك بين الخلق أجمعين، أما الإيمان والعمل الصالح فيحض به أصلح البرية وهذا أمر ملحوظ في الدنيا، كما أوضحت الآية أن فعله ـ تعالى ـ ذلك وتصرفه في العطاء، والسعة، والمنع والتضييق على من يشاء يحمل في طياته العبر، والعظات والحكم البالغات للمؤمنين المنتفعين بالمواعظ والعبر لأنهم يعلمون أن مرد ذلك راجع إلى حكمته ورحمته ـ تعالى ـ وأنه العليم بحال عباده فقد يضيق عليهم


١- صحيح البخاري ١/١١٢، سنن النسائي ٢/١٠٦، الموطأ مع شرحه تنوير الحوالك ١/٣٥.
٢- الروح لابن القيم ص١١٩ ـ ٢٠٠.
٣- الجامع لأحكام القرآن ١٥/٢٦٣.

<<  <   >  >>