للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرزق لطفاً بهم لأن بسطه عليهم قد يحملهم ذلك على الفساد والبغي في الأرض ففعله ـ سبحانه ـ ذلك مراعاة لإصلاح دينهم الذي هو مصدر سعادتهم وفلاحهم.

قال أبو جعفر بن جرير رحمه الله تعالى حول هذه الآية: "يقول تعالى ذكره: أو لم يعلم يا محمد هؤلاء الذين كشفنا عنهم ضرهم فقالوا: إنما أوتيناه على علم منا أن الشدة والرخاء، والسعة، والضيق، والبلاء بيد الله دون كل ما سواه يبسط الرزق لمن يشاء فيوسعه عليه، ويقدر ذلك على من يشاء من عباده فيضيقه، وأن ذلك من حجج الله على عباده، ليعتبروا به، ويتذكروا، ويعلموا أن الرغبة إليه، والرهبة دون الآلهة، والأنداد {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ} يقول: إن في بسط الله الرزق لمن يشاء، وتقتيره على من أراد لآيات: يعنى دلالات، وعلامات {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} يعني يصدقون بالحق فيقرون إذا تبينوه وعلموا حقيقته أن الذي يفعل ذلك هو الله دون كل ما سواه"١.

وقال أبو عبد الله القرطبي حول قوله تعالى في الآية السابقة: " {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} خص المؤمن بالذكر لأنه هو الذي يتدبر الآيات وينتفع بها ويعلم أن سعة الرزق قد يكون مكراً واستدراجاً، وتقتيره رفعة وإعظاماً" اهـ٢.

وهذه الآية الآنفة الذكر من السورة لها نظائر في كتاب الله وردت بمعناها منها قوله تعالى {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} ٣. فهذه الآية: بيَّن الله تعالى فيها أنه الذي بيده قبض أرزاق العباد وبسطها دون غيره ممن ادعى أهل الشرك أنهم آلهة واتخذوه رباً دونه يعبدونه، وقد بين صلى الله عليه وسلم أن بسط الرزق وتضييقه عائد إلى فعل الرب ـ سبحانه ـ المتصرف في كل شيء قال أنس بن مالك رضي الله عنه: غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله غلا السعر فأسعر لنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله الباسط القابض الرازق وإني لأرجو أن ألقى الله ليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال"٤ فبين صلى الله عليه وسلم بقوله هذا أن الغلاء


١- جامع البيان عن تأويل أي القرآن ٢٤/١٣.
٢- الجامع لأحكام القرآن ١٥/٢٦٧، فتح القدير للشوكاني ٤/٤٦٩.
٣- سورة البقرة آية: ٢٤٥.
٤- رواه أبو داود في سننه ٢/٣٨٨ وابن ماجة ٢/٧٤١ ـ ٧٤٢، والترمذي في سننه وحسنه ٢/٣٨٨.

<<  <   >  >>