للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والرخص، والسعة والضيق بيد الله دون غيره، فما أنصع هذه الحجة وما أوضح هذا البرهان، ولو أن الذين يحاولون أن يستدلوا على وحدانية الله ـ تعالى ـ بالأدلة التي كتبها علماء الكلام لجئوا إلى القرآن الكريم واقتبسوا من أدلته وأفادوا من حججه لوضح لهم السبيل ووصلوا إلى الحق من أقرب طريق.

وقال تعالى: {اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} ١.

وفي هذه الآية بين الله ـ تعالى ـ أنه هو الذي يوسع الرزق، ويبسطه على من يشاء ويقدر، ويضيقه على من يشاء فله ـ سبحانه ـ التصرف المطلق كيف يشاء وعلى ما يريده ـ جل وعلا ـ في جميع شؤون خلقه.

وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} ٢. وهذه الآية أيضاً أبانت بأن سعة الرزق وتضييقه كله فعل الله ـ تعالى ـ ومرده إليه لا إلى غيره.

وقال تعالى: {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ٣. قال العلامة ابن جرير: يقول تعالى ذكره: "يوسع رزقه وفضله على من يشاء من خلقه، ويبسط له، ويكثر ماله ويغنيه، {وَيَقْدِرُ} يقول: ويقتر على من يشاء منهم فيضيقه، ويفقره {إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} يقول: إن الله تبارك وتعالى بكل ما يفعل من توسيعه على من يوسع، وتقتيره على من يقتر، ومن الذي يصلحه البسط عليه في الرزق، ويفسده من خلقه، والذي يصلحه التقتير عليه، ويفسده، وغير ذلك من الأمور، ذو علم لا يخفى عليه موضع البسط والتقتير وغيره، من صلاح تدبير خلقه"٤.

فلو تدبر أولئك القبوريون الذين يلتمسون الرزق من أصحاب القبور هذه الآيات وأمثالها لألزموا أنفسهم بالحياء، وأنابوا إلى ربهم وأسلموا له وعلموا أن الرزق بيده وحده، فابتغوه عنده مخلصين له الدين وأقلعوا عن الشرك الذي امتلأت به قلوبهم وذلَّت به أنفسهم


١- سورة الرعد آية: ٢٦.
٢- سورة الروم آية: ٣٧.
٣- سورة الشورى آية: ١٢.
٤- جامع البيان عن تأويل آي القرآن ٢٥/١٤.

<<  <   >  >>