للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ١.

فهذه الآية إرشاد من الله تعالى لعباده بأن يفزعوا إلى من له مقاليد السموات والأرض الذي هذه صفته، ويتوجهون إليه بالعبادة وإفراده بالطاعة فكأن الآية تقول: إلى الله أيها الناس فارغبوا وإياه فاعبدوا مخلصين له الدين واتركوا الأوثان والأولياء والآلهة والأصنام التي اتخذتموها آلهة من قبل أنفسكم دون حجة ولا برهان ولا تملك لكم ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً.

وما دلت عليه آية الزمر من أنه ـ تعالى ـ مالك خزائن السموات والأرض أفصحت عن هذا المعنى آيات أخر مثل قوله تعالى: {ولله خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ} ٢. ومثل قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} ٣ قال العلامة ابن القيم بعد أن ذكر قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ} متضمن لكنز من الكنوز وهو أن كل شيء لا يطلب إلا من خزائنه، ومن مفاتيح تلك الخزائن بيده، وإن طلبه من غيره طلب ممن ليس عنده ولا يقدر عليه، وقوله تعالى: {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} ٤ متضمن لكنز عظيم، وهو أن كل مراد إن لم يرد لأجله ويتصل به، وإلا فهو مضمحل منقطع، فإنه ليس إليه المنتهى، وليس المنتهى إلا إلى الذي انتهت إليه الأمور كلها، فانتهت إلى خلقه ومشيئته وحكمته وعلمه، فهو غاية كل مطلوب، وكل محبوب لا يحب لأجله فمحبته عناء وعذاب، وكل عمل لا يراد لأجله، فهو ضائع وباطل، وكل قلب لا يصل إليه فهو شقي محجوب عن سعادته وفلاحه فاجتمع ما يراد له كله في قوله {وأن إلى ربك المنتهى} فليس وراءه ـ سبحانه ـ غاية تطلب وليس دونه غاية إليها المنتهى"٥.

وكل ما قدمنا من الآيات التي أسلفناها من السورة وغيرها للإستدلال بها على توحيد الربوبية كلها على اختلاف أساليبها، واختلاف موضوعاتها تلفت الأنظار إلى أن هذا الكون


١- سورة الشورى آية: ١٢.
٢- سورة المنافقون آية: ٧.
٣- سورة الحجر آية: ٢١.
٤- سورة النجم آية: ٤٢.
٥- الفوائد ص١٩٦.

<<  <   >  >>