للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما الرزق من الأرض ففيما أودع الله فيها من منافع مادية وأبرزها الغذاء سواءً أكان نابتاً منها أو ما أوجد الله على ظهرها من الحيوان.

الأمر الثاني: أحوال الحواس ومن أشرفها وأظهرها وأشدها ضرورة وأعجبها خلقاً السمع والبصر ولهذا خصت بالذكر.

الأمر الثالث: أحوال الموت والحياة من إخراج الحي من الميت وإخراج الميت من الحي ومعنى إخراج {الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} إخراج الإنسان من النطفة والطائر من البيضة وإخراج {الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} إخراج النطفة من الإنسان والبيضة من الطائر.

وقد ذكر أبو عبد الله القرطبي في تفسيره أعم من هذا، إذ قال عند قوله تعالى: {وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} قال: "أي النبات من الأرض، والإنسان من النطفة والسنبلة من الحبة، والطير من البيضة، والمؤمن من الكافر"١ وهذا التعميم أولى لشموله الحياة النباتية، والحياة الحيوانية، وقد نبه القرآن إلى هذا بقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} ٢.

"ويمكن أن يلحق بهذا المعنى معنى آخر قريب منه لم أر من ذكره من المفسرين في كتب التفسير التي اطلعت عليها وقد يكون ذكره بعضهم ولم أطلع عليه، وهو أن الجنين قد يخرج من بطن أمه التي تصحبها الحياة، وقد يخرج الجنين حياً من بطن أمه بعد موتها بواسطة عملية جراحية، فإنه داخل في عموم الآية.

الأمر الرابع: قوله تعالى في نهاية الآية: {وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ} هذه الجملة من الآية من باب عطف العام على الخاص لأن أنواع التدبير في هذا العالم لا نهاية لها فهناك تدبير في العالم العلوي، وتدبير في العام السفلي ولهذا جاءت الجملة بلفظ كلي عام يشمل تدبير الكون بما فيه.

فلقد استجوب القرآن الكريم أولئك المشركين عن الأمور الأربعة المتقدمة، والهدف منها إلزامهم بما يستلزم اعترافهم، وبما فطرت عليه النفوس البشرية جمعاء من


١- الجامع لأحكام القرآن ٨/٣٣٥.
٢- سورة الأنعام آية: ٩٥.

<<  <   >  >>