للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإيمان بربوبية الله تعالى وذلك مسلم عندهم فطرة وعقلاً وضرورة فيلزمهم أن يفردوه بالعبادة دون سواه.

وقد بين الله تعالى في مواضع كثيرة من كتابه ضعف معبودات المشركين وعجزها، وأنها لا تملك شيئاً من النفع، والضر. وقد ضرب الله الأمثال لبيان حالها الحقيرة قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} ١.

ففي هذا المثل بين ـ تبارك وتعالى ـ لعباده أن هذه الآلهة المزعومة المدعوة من دونه عاجزة وضعيفة فلو اجتمعت كلها لإيجاد مخلوق حقير مثل الذباب لا تستطيع ذلك، بل إن الذباب الحقير، لو أخذ من آلهتهم شيئاً من حقير المطاعم وطار به لما استطاعت تلك الآلهة إنقاذه من ذلك الذباب، وهذا فيه تأكيد قوي يبين عجز هذه الآلهة وضعفها أمام مخلوق من أضعف مخلوقاته تعالى. ومن كانت هذه صفته فهل يصلح أن يكون معبوداً توجه له العبادة إنه لا يعبده إلا من كان سخيف العقل سفيهاً لم يقدر الله حق قدره وهو القوي العزيز.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى حول هذا المثل: "حقيق على كل عبد أن يستمع لهذا المثل ويتدبره حق تدبره فإنه يقطع موارد الشرك من قلبه وذلك أن المعبود أقل درجاته أن يقدر على إيجاد ما ينفع عابده وإعدام ما يضره والآلهة التي يعبدها المشركون من دون الله لن تقدر على خلق ذباب ولو اجتمعوا كلهم لخلقه فكيف ما هو أكبر منه، ولا يقدرون على الإنتصار من الذباب، وإذا سلبهم الذباب شيئاً مما عليهم من طيب ونحوه فيستنقذونه منه فلا هم قادرون على خلق الذباب الذي هو من أضعف الحيوان، ولا على الإنتصار منه، واسترجاع ما يسلبهم إياه فلا أعجز من هذه الآلهة، ولا أضعف منها فكيف يستحسن عاقل عبادتها من دون الله تعالى، وهذا المثل من أبلغ ما أنزله الله ـ سبحانه ـ في بطلان الشرك وتجهيل أهله وتقبيح عقولهم"أ. هـ٢ فهذا المثل كان بحق دليلاً في منتهى القوة حيث أثبت بطريقة حسية بطلان الوثنية وأقام الحجة على إظهار الوحدانية.

ومن الأمثال التي ضربها الله ـ تعالى ـ لبيان ضعف آلهتهم وبطلان عبادتها قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ


١- سورة الحج آية: ٧٣.
٢- أعلام الموقعين ١/١٨١ ـ ١٨٢، الأمثال في القرآن الكريم ص٢٤٧ ـ ٢٤٨.

<<  <   >  >>