للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذي هو معنى "لا إله إلا الله" ولم ينفعهم إقرارهم بتوحيد الربوبية وحده دون توحيد الله تعالى في عبادته.

ولذلك لم يعترضوا على توحيد الربوبية حين ذكرهم الرسول صلى الله عليه وسلم به، وإنما كان اعتراضهم وإنكارهم وتعجبهم على دعوته لهم إلى إفراد الله بالعبادة كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله عز وجل: {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ * وَانْطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ * مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاقٌ} ١.

لكن ماذا كانت النتيجة لاقتصارهم على هذا الإقرار بالربوبية؟

إن النتيجة كانت أنه أبيح قتالهم وعدم رفع السيف عنهم حتى يقروا بشهادة أن لا إله إلا الله تلفظاً، وفهم معنى وتنفيذ مقتضى، والكفر بما يعبد من دون الله إذ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله"

ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفر من كفر من العرب قال عمر بن الخطاب لأبي بكر رضي الله عنهما لما قاتل مانعي الزكاة: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال: لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله" فقال أبو بكر رضي الله عنه "والله لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال. والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه". فقال عمر رضي الله عنه. "فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق"٣.

فأبو بكر رضي الله عنه فهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد مجرد اللفظ بقول "لا إله إلا الله" باللسان فحسب دون التزام بمعناها وأحكامها.


١- سورة ص آية: ٤ ـ ٧.
٢- صحيح مسلم ١/٥٢ ورواه البخاري من حديث ابن عمر ١/١٣.
٣- صحيح مسلم ١/٥١ ـ ٥٢.

<<  <   >  >>