للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تلك بعض معبودات المشركين التي استطعنا جمعها تحت هذا المبحث والذي نخلص إليه مما تقدم أن السورة أوضحت لنا أصل الشرك الذي دفع المشركين لعبادة غير الله ـ تعالى ـ من المعبودات التي ذكرناها والتي لم نذكرها وأن السبب الوحيد في حدوث الشرك هو قياس الخالق سبحانه على المخلوق فإن المشركين زعموا بعقولهم الفاسدة أن ملوك الدنيا لا يتوصل إليهم إلا بالوجهاء والشفعاء والوزراء الذين يرفعون إليهم حوائج رعاياهم ويطلبون لهم عطفهم فيكون ذلك تمهيداً للأمر المطلوب منهم. فظن المشركون أن الله ـ تعالى ـ كذلك، وهذا ظن سوء بالله ـ تعالى ـ وهذا القياس من أفسد الأقيسة إذ أنه يتضمن تسوية الخالق بالمخلوق مع ثبوت الفرق العظيم عقلاً، ونقلاً وفطرة إذ ملوك الدنيا إنما يحتاجون إلى الوساطة بينهم وبين رعاياهم لعدم علمهم بأحوال من استرعاهم الله فهم في أشد الحاجة إلى من يعلمهم بذلك، ولأنه ربما لا يكون في قلوبهم رحمة أو شفقة لصاحب الحاجة، فيحتاجون إلى من يعطفهم عليهم ويسترحمهم له، ولذلك يحتاجون إلى الشفعاء والوزراء فيقضون حوائج العباد مراعاة لوزرائهم ومداراة لخواطرهم وقد يمتنعون من ذلك خشية الفقر لأنهم فقراء.

أما الباري ـ سبحانه ـ فإنه أحاط بكل شيء علماً يعلم ظواهر الأمور وبواطنها فلا يحتاج إلى من يخبره بأحوال عباده، ولا من يشفع لهم عنده، لأنه رحيم بعبادة جواد بالعطاء، ولا يحتاج إلى أحد منهم بل هو أرحم بهم من أنفسهم ومن والديهم وهو الكريم الذي يحثهم ويدعوهم إلى الأخذ بالأسباب التي ينالون بها رحمته وهو يريد من مصالحهم ما لا يريدونه لأنفسهم. وهو الغني الذي له الغنى التام المطلق الذي لو اجتمع الخلق كلهم من أولهم إلى آخرهم في صعيد واحد فسألوه جميعهم فأعطى كلاً مسألته لم ينقصوا مما عنده إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر.

وجميع الشفعاء يخافون منه ـ سبحانه ـ ولا شفاعة لأحد عنده إلا بعد إذنه له الشفاعة كلها.

ومن هذه الأمور يدرك المؤمن جهل المشركين ويعرف سفاهتهم وشدة جرأتهم على الله ـ تعالى ـ كما يعلم الحكمة في كون الشرك أعظم الذنوب وأنه لا يغفره الله لأنه يتضمن القدح في الله تعالى ـ نسأل الله أن يجنبنا ذلك.

<<  <   >  >>