للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تتنازعه الشياطين لا يقربه بعضهم لبعض {رَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ} قال: هو المؤمن أخلص الدعوة والعبادة وقال مجاهد: {رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ} قال: هذا مثل إله الباطل، وإله الحق.

وقال السدي: {ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ} قال: مثل لأوثانهم التي كانوا يعبدون ...

وقوله: {هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً} يعني هل يستوي مثل هذا الذي يخدم جماعة شركاء سيئة أخلاقهم مختلفة فيه لخدمته مع منازعته شركاءه فيه والذي يخدم واحداً لا ينازعه فيه منازع إذا أطاعه عرف له موضع طاعته وأكرمه، وإذا أخطأ صفح له عن خطئه يقول: "فأي هذين أحسن حالاً وأروح جسماً وأقل تعباً ونصباً"اهـ١.

قال العلامة ابن القيم حول هذه الآية: "هذا مثل ضربه الله ـ سبحانه ـ للمشرك والموحد، فالمشرك بمنزلة عبد يملكه جماعة متنازعون مختلفون متشاحنون، والرجل الشكس الضيق الخلق فالمشرك كما كان يعبد آلهة شتى شبه بعبد يملكه جماعة متنافسون في خدمته لا يمكنه أن يبلغ رضاهم أجمعين، والموحد لما كان يعبد الله وحده فمثله كمثل عبد لرجل واحد قد سلم له، وعلم مقاصده وعرف الطريق إلى رضاه فهو في راحة من تشاحن الخلطاء فيه، بل هو سالم لمالكه من غير تنازع فيه مع رأفة مالكه به ورحمته له وشفقته عليه، وإحسانه إليه توليه لمصالحه فهل يستوي هذان العبدان، وهذا من أبلغ الأمثال فإن الخالص لمالك واحد يستحق من معونته وإحسانه والتفاته إليه وقيامه بمصالحه ما لا يستحق صاحب الشركاء المتشاكسين {الْحَمْدُ للهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} اهـ.٢.

وقال رحمه الله في موضع آخر: "احتج ـ سبحانه ـ على قبح الشرك بما تعرفه العقول من الفرق بين حال مملوك يملكه أرباب متعاسرون سيئو الملكة وحال عبد يملكه سيد واحد قد سلم كله له فهل يصح في العقول استواء حال العبدين؟ فكذلك حال المشرك والموحد قد سلمت عبوديته لإلهه الحق لا يستويان" اهـ٣.


١- جامع البيان عن تأويل آي القرآن ٢٣/٢١٣ ـ ٢١٤.
٢- أعلام الموقعين ١/١٨٧.
٣- مدارج السالكين ١/٢٤٠.

<<  <   >  >>