للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما العلامة ابن كثير فقد قال حول الآية: {ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ} أي يتنازعون في ذلك العبد المشترك بينهم {وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ} أي سالماً "لرجل" أي خالصاً لا يملكه أحد غيره {هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً} أي لا يستوي هذا وهذا، كذلك لا يستوي المشرك الذي يعبد آلهة مع الله والمؤمن المخلص الذي لا يعبد إلا الله وحده لا شريك له فأين هذا من هذا؟ قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وغير واحد هذه الآية ضربت مثلاً للمشرك والمخلص، ولما كان هذا المثل ظاهراً بيناً جلياً قال: {الْحَمْدُ للهِ} أي على إقامة الحجة عليهم {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} أي فلهذا يشركون بالله. اهـ١.

ومما تقدم يتبين لنا أن المؤمن الذي يعبد الله وحده لا شريك له، لا شك أنه أحسن حالاً وأهدأ بالاً وأقل تعباً ونصباً من ذلك المشرك الذي خالف عقله وفطرته وأمر ربه، واتجه بالعبادة إلى الأولياء والشركاء الذين لم يأذن الله بعبادتهم بل جعل ذلك من أقبح القبيح وأظلم الظلم وأن الكافر لا يمكن أن يستقر له قرار ولا يطمئن له قلب ولا تهدأ له نفس بعكس المؤمن الذي أخلص لله في عبادته فهو في أتم راحة وأكمل طمأنينة لأنه لم يعمل ما فيه مضادة لأمر الله أو ما فيه مخالفة للعقل والفطرة، فلقد أنكر الله ـ سبحانه ـ قبح الشرك به في الإلهية وعبادة غيره معه بما ضربه لعباده من الأمثال وأقام على بطلانه الكثير من الأدلة العقلية والسمعية التي يتذكر بها أولو الألباب. ولقد جاءت آيات كثيرة في معنى الآية التي معنا من السورة من ذلك قوله تعالى: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} ٢.

هذه الآية احتج الله فيها على عباده بما هو مستقر في عقولهم من قبح كون مملوك أحدهم شريكاً له فكأنه يقول لهم: إذا كان أحدكم يستنكف أن يكون مملوكه شريكاً له، ولا يرضى بذلك، فكيف تجعلون لله من عباده شركاء تعبدونهم كعبادته؟ فالآية توضح لنا أن قبح عبادة غير الله ـ تعالى ـ مستقر في العقول والفطر، والشرع نبَّه العقول وأرشدها بما هو مودع وكامن فيها من قبح ذلك. قال العلامة ابن القيم: حول هذه الآية "وهذا دليل قياس احتج الله ـ سبحانه ـ به على المشركين حيث جعلوا له من عبيده وملكه شركاء فأقام عليهم


١- تفسير القرآن العظيم ٦/٩٠.
٢- سورة الروم آية: ٢٨.

<<  <   >  >>