للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا هو واقع الصحابة فقد كان مجتمعهم مجتمعاً سليماً من الشوائب والانحرافات المشؤومة، ولم يحدث القول بخلق القرآن إلا الجهمية من المعتزلة، وهو من أعظم الفتن التي مرت بها الأمة الإسلامية في تاريحها، وكان أول من أحدث القول بخلق القرآن هو "الجعد بن درهم"١ سنة أربع وعشرين ومائة هجرية، ولما هلك أخذ الراية من بعده "الجهم بن صفوان" سنة ثمان وعشرين ومائة هجرية.

ولما بدأ القرن الثالث الهجري تولى نشر هذه البدعة بشر بن غياث المريسي سنة ثماني عشرة ومائتين هجرية، ثم تلقاها أحمد بن أبي دؤاد سنة أربعين ومائتين هجرية وزينها للمأمون حتى اعتنقها، وحمل الناس عليها وأكرههم على اعتقادها، وحذى حذوه من بعده أخوه المعتصم والواثق.

وفي زمن هؤلاء الثلاثة الخلفاء العباسيين نزلت المحنة والبلاء بعلماء أهل السنة والجماعة الذين ثبتوا في اعتقادهم على منهج السلف وردوا كيد المعتزلة في نحورهم ببيان الحق في كلام الله ـ تعالى ـ حتى أن الإمام أحمد ـ رحمه الله تعالى ـ ضرب في هذه المحنة كي يحصلوا منه على أدنى كلمة توافق مذهب الإعتزال فلم يستطيعوا إلى ذلك سبيلاً، فثبت ـ رحمه الله تعالى ـ على التمسك بعقيدة السلف الصالح حتى كان سبباً في حفظ العقيدة السلفية الصحيحة التي حماها الله من التلوث ببراثن الجهمية المعتزلة، وبيّن ـ رحمه الله ـ بموقفه ذلك بطلان ما دبره الجهمية والمعتزلة من الكيد للإسلام، فبلّغ الأمة فساد قولهم بأن القرآن مخلوق، ولم ترتفع تلك الفتنة وهي فتنة القول بخلق القرآن إلا في زمن المتوكل سنة أربع وثلاثين ومائتين٢، وبسبب تلك المحنة التي امتحن فيها أئمة الإسلام، وثبت فيها إمام أهل السنة أحمد بن حنبل تنازع الناس في القرآن نزاعاً كبيراً،


١- هو: الجعد بن درهم مولى سويد بن غفلة أصله من خراسان. سكن دمشق فلما أظهر القول بخلق القرآن أخذ الأمويين في البحث عنه فهرب إلى الكوفة فلقي الجهم بن صفوان ولقنه مذهبه ذلك فقبض عليه أمير الكوفة "خالد بن عبد الله القسري" وضحى به حيث قال وهو على المنبر "أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضح بالجعد بن درهم فإنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً ولم يكلم موسى تكليماً تعالى الله عما يقول الجعد علواً كبيراً ثم نزل فذبحه". البداية ٩/٣٥٠، الميزان ١/٣٩٩، خلق أفعال عباد ص٧، الرد على الجهمية للدارمي ص١١٣.
٢- تاريخ الأمم والملوك للطبري ٨/٦٣١-٦٤٦، البداية والنهاية ١٠/٣٠٨ ـ ٣١١، ٣١٩، ٣٥٨، مطبعة السعادة وانظر تاريخ الجهمية والمعتزلة ص٦٠-٧٠.

<<  <   >  >>