القدر السابق لا يمنع العمل ولا يوجب الإتكال عليه بل يوجب الجد والاجتهاد ولهذا لما سمع بعض الصحابة ذلك قال: ما كنت أشد اجتهاداً مني الآن، وهذا مما يدل على جلالة فقه الصحابة ودقة أفهامهم، وصحة علومهم فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم بالقدر السابق وجريانه على الخليقة بالأسباب فإن العبد ينال ما قدر له بالسبب الذي أقدر عليه ومكن منه وهيئ له فإذا أتى بالسبب أوصله إلى القدر الذي سبق له في أم الكتاب وكلما زاد اجتهاداً في تحصيل السبب كان حصول المقدور أدنى إليه وهذا كما إذا قدر له أن يكون من أعلم أهل وزمانه فإنه لا ينال ذلك إلا بالاجتهاد والحرص على التعلم وأسبابه ... فإذا علم العبد أن مصالح آخرته مرتبطة بالأسباب الموصلة إليها كان أشد اجتهاداً في فعلها من القيام بها منه في أسباب معاشه ومصالح دنياه وقد فقه هذا كل الفقه من قال: ما كنت أشد اجتهاداً مني الآن ... فالقدر السابق معين على الأعمال وما يحث عليها ومقتض لها لا أنه مناف لها وصاد عنها وهذا موضع مزلة قدم من ثبتت قدمه فاز بالنعيم المقيم، ومن زلت قدمه عنه هوى إلى قرار الجحيم فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشد الأمة في القدر إلى أمرين هما سببا السعادة:
١ـ الإيمان بالأقدار فإنه نظام التوحيد.
٢ـ والإتيان بالأسباب التي توصل إلى خيره وتحجزه عن شره وذلك نظام الشرع فأرشدهم إلى نظام التوحيد والأمر" اهـ١.
والآيات والأحاديث الدالة على إتيان القدر واتصاف الله ـ تعالى ـ بصفة العلم أزلاً وأبداً كثيرة جداً.
٢ـ مرتبة الكتابة:
لقد دلت آيات الكتاب، وأحاديث السنة على أن مراتب الإيمان بالقضاء والقدر، الإيمان بأن كل كائن إلى يوم القيامة قد كتبه الله تعالى في أم الكتاب وهو اللوح المحفوظ وقد جاء في سورة "الزمر" في شأن هذه المرتبة قوله تعالى: {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ} وقوله {وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} .
قال ابن كثير:{أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ} "أفمن كتب