للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} ١ فالرسول صلى الله عليه وسلم بعثه الله داعياً ومبلغاً ولا يملك من الهداية شيئاً سوى هداية الدلالة والبيان وخلق الله إبليس مزيناً ومغوياً، وليس له القدرة على إضلال أحد من البشر إذ الهدى والضلال بيده ـ سبحانه ـ وقال تعالى: {وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ٢ فجمع ـ سبحانه ـ بين الهدايتين العامة والخاصة، فعم بالدعوة حجة مشيئة وعدلاً، وخص بالهداية نعمة مشيئة وفضلاً، وهذه المرتبة أخص من التي قبلها فإنها هداية تخص المكلفين وهي حجة الله على خلقه التي لا يعذب أحداً إلا بعد إقامتها عليه قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} ٣ وقد يقول قائل: كيف تقوم حجة الله عليهم وقد منعهم من الهدى وحال بينهم وبينه؟ ويجاب على هذا أن حجة الله قائمة عليهم بتخليته بينهم وبين الهدى، وبيان الرسل لهم وإراءتهم الصراط المستقيم حتى كأنهم يشاهدونه عياناً، ونصب لهم أسباب الهداية ظاهراً وباطناً، ولم يحل بينهم وبين تلك الأسباب، ومن حال بينه وبينها منهم بزوال عقل، أو صغر لا تمييز معه، أو كونه في ناحية من الأرض لم تبلغه دعوة الرسل فإنه ـ سبحانه ـ لا يعذبه حتى يقيم عليه حجته فهو ـ سبحانه ـ لم يمنعهم من هذا الهدى، ولم يحل بينهم وبينه، ولكنه ـ سبحانه ـ قطع عنهم توفيقه ولم يرد من نفسه إعانتهم، والإقبال بقلوبهم إليه فلم يحل بينهم، وبين ما هو مقدور لهم، وإن حال بينهم وبين ما لا يقدرون عليه، وهو فعله ومشيئته وتوفيقه فهذا غير مقدور لهم وهو الذي منعوه وحيل بينهم وبينه فليتنبه لهذا ليزول الإشكال.

المرتبة الثالثة من مراتب الهداية: هداية التوفيق والإلهام وخلق المشيئة المستلزمة للفعل وهذه المرتبة أخص من التي قبلها وهي التي ضل فيها جهال القدرية بالتأويل الفاسد فقد زعموا: أن المراد من الضلال والهدى هو تسمية الله العبد مهتدياً وضالاً فجعلوا هداه، وإضلاله مجرد تسمية العبد بذلك٤ وسنبين بطلان هذا قريباً بعد ذكر الآيات الدالة على هذه المرتبة. وأما الجبرية: فقد ظلموا القدرية، ولم ينصفوهم بل ظلموا أنفسهم بإنكار


١- سورة القصص آية:٥٦.
٢- سورة يونس آية:٢٥.
٣- سورة الإسراء آية:١٥.
٤- انظر مقالات الإسلاميين ١/٣٢٤ ـ ٣٢٥، شفاء العليل ص٨٢.

<<  <   >  >>